علي العبادي: نصي المسرحي يحتج على الهامش الذي يود أن يصبح مركزاً بلباس الفضيلة الفضفاض/ حاوره: حسين عمران

ان المسرح هو البوابة الرحبة لمواجهة الاختلال البنيوي في النسيج الإجتماعي، عبر الزخم الكبير من الصدمات المتضادة لمواجهة الواقع المرير الذي يرزح تحته الإنسان، هذا ما أكده (علي العبادي)، المؤلف والممثل والمخرج المسرحي العراقي فهو الحالم وسط الضجيج كما يصف نفسه، والذي رفد المكتبة المسرحية بالعديد من الاصدارات والتي تراوحت بين الدراسات البحثية والقراءات والنصوص المسرحية والتي حاول عبرها الكشف عن الخراب الذي يعاني منه المجتمع العربي والعراقي في ظل التحولات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، وهو المحب للمغامرة والتجديد في حقل كتابة النص والاخراج المسرحي، فكان لنا معه هذا الحوار:

 

  1. ماهي اوجه الشبه بين كتاباتك والذي تاثرت به؟

تقول (جوليا كريستفيا) أن النص ما هو إلا فسيفساء ، أي أن النص يتشكل من خلال من مجموعة من النصوص التي تتعالق وتتثاقف مع بعضها البعض، وفي اغلب النصوص التي نقرأها في العالم العربية نجد هناك ثمة تشابه بين نص وآخر، وان لم يكن هذا التشابه في الموضوعة المطروحة، فالبناء الدرامي والمعالجة، حقيقة أنا انتمي لمسرح اللامعقول بوصفه فضاء رحب يستوعب افكاري احلامي تطلعاتي، وما أود أن اصرح أو المح به، وبالتالي تجد أن كتاباتي هي تشبه في بعض حيثياتها كتابات مسرح (اللامعقول)، من حيث بنائها الدرامي وبعض الموضوعات التي تطرقت لها، وبالتأكيد تختلف بطرق المعالجة لهذه الموضوعات.

  1. هل كتابتك تكافح الواقع السياسي المرير؟

المتتبع لقراءة نصوصي المسرحية سيجد أن كل كتاباتي سياسية وأن لم تكن صريحة فهناك ثمة تلميح لهذه الموضوعة، إن المتغير السياسي في العراق ما بعد ٢٠٠٣ كان صادماً جداً، حد اللعنة، وهذا بدوره شكل ثمة فجوات وفراغات كبيرة في البنية الاجتماعية والثقافية، وهذا الأمر يحتاج إلى زخم كبير من الصدمات المتضادة في تحقيق استقامة هذا الاختلال البنيوي في النسيج الإجتماعي. وهنا لابد من الجنوح صوب الخطاب الثقافي من أجل إعادة قراءة هذا الواقع وخلخلة مفاهيم وقناعات الإنسان الذي يدور في فلك الضياع من جراء هذه السياسات الخاطئة، فكان المسرح هو البوابة الرحبة والكبيرة للوقوف عند هذه الإشكالية.  وفي هذا الصدد ويؤكد النص المسرحي العراقي فاعليته في الحراك المسرحي بوصفه نصاً ساخناً على صعيد بنية الكتابة ومحاولات انفلاته من الانساق الجاهزة في تدوين الحدث، أو على صعيد الخطاب الفكري الذي يحتفظ برصانة كينونته المعرفية في مناهضة النظم السياسية التي تحكمت بمصير الوطن أو العالم العربي.

  1. (الاغتراب، التهميش، الفقر، الحرمان، خيانه الرؤساء لشعوبهم) هذه ثيمات كلها كانت هاجسكم المشترك بين كتاباتك، هل كتاباتك تتناول المأساة الداخلية للانسان العراقي؟

إن نصوصي المسرحية تحاول أن تقف دوماً مع الإنسان (المظلوم، المضطهد، المستلب، المهمش) وما يعاني من (قهر وحرمان) من جراء الفعل السياسي البراغماتي القائم على النفعية وإقصاء الاخر، لذا أحاول دوماً أن أقف عند هذه التناشزات الكبيرة في المعيار السياسي وتداعياته الاجتماعية، من أجل فضحها والاشتباك معها بطريقة صادمة توازي هذا المتغير الذي حصل وما زال يحدث باستمرار، وهو محاولة في المكاشفات النقدية للوعي الاجتماعي الذي تشكل ما بعد 2003 ومناهضته، لكونه يحتفي بالذات الهزيلة والوضيعة ويخلق منها مركزا، أي أن النص هو يحتج على الهامش الذي يود أن يصبح مركزاً بلباس الفضيلة الفضفاض.

  1. هل قرات الفلسفه ومامدى تأثرك بها؟

بالطبع قرأت الفلسفة منذ تشكلاتها الأولى وهي تبحث في ظواهر الطبيعة في طورها الأول ومن ثم في ذات الانسان في طورها الثاني ، إن النص المسرحي الآن مثلما تتداخل فيه الاتجاهات والمذاهب المسرحية، كذلك الفلسفة ، فأحياناً تجد نصاً مسرحياً تشكل عبر تداخل فلسفي متعدد، وهذا يرجع إلى اشتغال المؤلف في معالجته للموضوع، بما أن الدراما هي قائمة على الصراع، فمن الطبيعي أن نجد التعدد الفلسفي حاضراً في آفاق النص المسرحي، بفعل الصراع الحاصل في بنية النص المسرحي، لأن في العادة الموضوعة التي يطرحها المؤلف تكون قائمة على تنازع الارادات والرغبات، وفي محاولة لتقويض المفاهيم والرؤى والتطلعات، هذه الجدلية لها سرديتها الفلسفية، إذ كل فعل أو توجه في الخطاب الفكري الباث في النص المسرحي له مرجعي فلسفي، ومن هنا يتجلى التعدد الفلسفي في النص وفقاً لمقتضيات الصراع الدرامي.

  1. وماهي الفلسفه التي تاثرت بها؟

صراحة الفلسفة الأقرب إلي هي الفلسفة الوجودية وما بعد الحداثة، لما يحملان من زخم معرفي وجدلي كبير في مواجهة هذا الواقع الاستنساخي المرير الذي نعيش، فأنا اكتب عن (العدم والانتظار والمهمش والحالمون وسط الضجيج)، فهاتين الفلسفتين بمثابة المنطقة الرحبة بالنسبة لي في كتابة النص المسرحي، وهي دوما تفتح شهيتي للصراخ بوجه هذا العالم الذي يقبع تحت جحيمه الانسان، وأعلن من خلال هاتين الفلسفتين مواقفي من الانسان والحياة التي اصبحت خصوصاً في بعض البلدان العربية عبارة عن قيامة نشهد فيها يومياً الكثير من الجحيم، فهنا أسأل كثيراً عن (المخلص وعن الوجود والمعنى ومفاهيم متعددة) ويكون (التشتت والتكرار والتشظي) حاضراً في بنية النص المسرحي.

  1. ما أثر الواقع النفسي عليك؟

الواقع بكل حمولاته الثقافية والاجتماعية والنفسية والسياسية يعد هو المرجع لي في تدشين أي نص مسرحي أقوم بكتابته، الواقع النفسي المرير الذي عشناه وما زلنا نعيشه بطريقة مريرة ورغماً عنا، هو من شكل هوية نصوصي المسرحية، لكون أن المتغيرات التي حدثت في العراق ما بعد 2003 خلخلت البنى النفسية لدى الذات الانسانية، بحكم الزخم الكبيرة للحوادث والمفارقات التي اسهمت في خلق القلق اللافت الذي يعيشه الانسان من مستقبل مجهول من جهة، ومن واقع ينز ألما، وبالتالي أنا عينه من هذا المجتمع وما اكتبه هو ليس ما أعاني منه فقط، على الصعيد النفسي، بل ما تعاني منه شريحة واسعة من الناس.

  1. مَنْ هم الكتّاب الذين تأثرت بهم؟

تأثرت بالعديد من كتاب المسرح العالمي (شكسبير، موليير، صموئيل بييكت، يوجين يونسكو)

  1. كيف تظهر بذره الابداع في كتابات النص المسرحي؟

النص المسرحي هو منظومة من العلاقات المعرفية والجمالية، فضلاً عن معمارية النص في تشيد هذه الرؤى المعرفية والجمالية، فالابداع هو استفزاز لمكامن الذات القارئ، النص أن لم يستفز القارئ، فهو ميت، وكي نحقق نصا مسرحياً حياً يحقق حضوره لدى القارئ، لابد أن يكون المؤلف قارئاً جيداً للواقع، ولديه خصوبة كبيرة في الخيال، كي يعيد قراءة هذا الواقع بطريقة غير واقعية، اليوم نقرأ الكثير من النصوص والتي تتوفر فيها الاشتراطات الدرامية والبنائية، لكن يغيب فيها الابداع، والاخير هو تأسيس لفضاء شاسع من الدهشة، التي تخلق مرونة عالية في التلقي والاشتغال، وهذه المرونة تأتي من فاعلية الكتابة وآلية الاشتغال عليها على الصعيد المعرفي والجمالي والبنائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت