الفنان المسرحي (علي العبادي): ما أكتبه هو محاولة للكشف عن الخراب الذي نعاني منه/ حاوره: علي حسين الخفاجي*

فنصوصي المسرحية هي أقرب إلى الصراخ بوجه هذا العالم المدهش بقبحه

 

(علي العبادي) ممثل ومخرج ومؤلف مسرحي، حاصل على شهادة البكالوريوس من جامعة بابل/ كلية الفنون الجميلة/ قسم الفنون المسرحية_ فرع التمثيل، وشهادة الماجستير من جامعة بغداد/ كلية الفنون الجميلة قسم الفنون المسرحية/ فرع التمثيل، وقد شارك ممثلاً في )26 (عملاً مسرحياً وأخرج (6) عروض مسرحية وكتب أكثر من (20) نصاً مسرحياً، قدمت أغلبها في العديد من الدول العربية (تونس، الجزائر، ليبيا، المغرب، الكويت، سلطنة، عمان، مصر، الاردن، سوريا) فضلا عن (بلجيكا، المانيا) وقد حصل على العديد من الجوائز المحلية والعربية وأهمها جائزة الهيئة العربية للمسرح في حقل كتابة النص المسرحي الموجه للكبار 2021، وقد كُتب عنه العديد من النقاد والكتاب من العرب والعراقيين، وقد تجاوز عدد المقالات والدراسات اكثر من (61) ما بين مقالة ودراسة وبحث اكاديمي، وتناولت تجربته في الدراسات العليا محلياً وعربياً، وله ما يقارب (12) إصداراً مابين المسرح والدراسات الثقافية والشعر. فكان لنا معه هذا الحوار:

 

س _هل كتبت لأجل الاخراج؟

تأتي كتاباتي في محاولة للكشف عن الخراب الذي نعاني منه، فهي أقرب إلى الصراخ بوجه هذا العالم المدهش بقبحه، مدوناتي المسرحية في حقل التأليف هي مواقفي من الحياة والعالم والواقع الذي نعيش، في الغالب تكون الكتابة في هذا المسار، أي اكتب لأجل ذلك، وليس من أجل الإخراج، باستثناء مسرحية (انتروبيا) التي كتبتها خصيصاً كي أخرجها، بالرغم أن العديد من نصوصي قد اخرجتها لكن لم تكن الفكرة من كتابتها اخراجها من قبلي، إلا أن هذه الفكرة تولدت لدي في اخراجها فيما بعد.

 

 س_هل شاركت في كل تنوعات العرض؟

بالتأكيد عملت ممثلاً بما يقارب (26) عملاً مسرحياً، واخرجت (6) عروض مسرحية، وكتبت ما يقارب (20) نصاً مسرحياً، واغلب اعمالي التي اخرجها، اصمم لها سينوغرافيا العرض والزيّ المسرحي، فضلا عن بعض الاعمال التي اشتركت فيها مديراً للمسرح، ومساعد مخرج، ومساعد منفذ الاضاءة.

 

س_أي جيل عاشرت؟

طبعاً انفتح على العديد من الاجيال الرواد وجيل مابعد الرواد والشباب، وطبعاً استفدت من الجميع، لان لكل جيل مرتكزاته المعرفية والجمالية، وهذا التباين والاختلاف ما بين جيل وآخر يشكل حافزاً للبحث والتطوير في تشكيل خطاب ذاتي في محاولة لتجاوز الانساق الجاهزة في العمل الابداع.

 

 س_ ما الذي ترومهمن أعمالك المسرحية؟

أحاول أن أوقد شمعة في ظل هذا الظلام الدامس الذي نعيش، احيانا أشعر أني ولدت لكي أصرخ بوجه هذا العالم سواء عبر التأليف أو الاخراج أو التمثيل، لذا اعتقد أن العمل المسرحي ان لم يكن احتجاجيا تنتفي حاجته، فاعمالي فيها دعوة للمتلقي ليحتج على هذا الواقع المرير الذي نعيش، لذا تجدها ملغومة بالاحتجاج بدءاً من العتبات الاولى للعمل متمثلة بالعنوان، كـــ(قيء، تفو، مرحاض، ادب سز، حذائي).

 

 س_كيف كانت تجربتك الشعبية في المسرح؟

لم أكتب نصاً مسرحياً شعبياً، بل مثلت في ما يطلق عليه بـ(المسرح الشعبي) بمسرحية (متحف العصور)، وصدقاً لا أميل له، لان الهم العربي هماً واحداً في ظل هذه المتغيرات الكبيرة التي حدثت والتي تحدث على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فلا أحبذ أن اخندق اشتغالي في دولة دون الأخرى، أحب أن تكون آفاق اشتغالي واسعة على صعيد الفني والفكري.

 

 س _كيف وظفت التراث في عروضك ونصوصك؟

أحياناً أشعر أن التعكز على موضوعة معروفة لدى المتلقي هو ليس مصدر قوة، بل هو ضعف وتقهقر إبداعي، نحن أبناء اليوم علينا أن ندون هذه المرحلة برؤانا الخاصة دون التعكز على المتحف، لذا أحياناً أعيب كثيراً على من يتعكز على أسماء نصوص أو عروض لكتاب عالمين أو في محاولة تقليدهم، لنفس السبب أعلاه، لكن ذات مرة اضطررت أن أوظف التراث في نصي مسرحي (مرحاض) وهذا جاء على خلفية اشتراطات المسابقة التي كنت أروم المشاركة بها، تناولت بها موضوع (علاء الدين) بطريقة احتجاجية، إذ هشمت مركزية البناء السردي للقصة الأصلية التي تتضمنها (الف ليلة وليلة) عبر الاشتغال على طروحات (مسرح اللامعقول) و(مابعد الحداثة) حيث (التكرار والتشظي والتشتت وفقدان التواصلية والغرائبية)

 

 س_ ماهي فكرة الكوميديا لديك؟

الكوميديا الحقة تتمظهر في العمل الابداعي من جراء سلسلة من المخاضات المعرفية والجمالية، أي التفكر بمستويات التأويل والسخرية التي من خلالهما يتسلل الضوء إلى مقاصد منتج الخطاب الابداعي، يرى البعض من المشتغلين في الكوميديا أنها تنحصر في إثارة الضحك بأي وسيلة من الوسائل، في حين هذا الأمر يشكل خطراً كبيراً على المسرح، لكونه يعطي الشرعية للابتذال في الاعمال، لابد أن يكون العمل الكوميدي نصاً أو عرض ينطلق من قضية ما، كي لا يكون المسرح فضاءًللنزهة السطحية، بل قيمة معرفية وجمالية، وإن يتجلىالوعي والجمال في السخرية، وقد عمدت في عدة نصوص في الاشتغال على مايسمى بـ(الكوميديا السوداء)، منها (مقبرة، مرحاض).

 

 س_ كيف كان التجريب في المسرح لديك؟

لدي شغف كبير في التجريب في المسرح على صعيد النص أو العرض، أحاول في مجال الكتابة أن اشتغل على عدة محاور منها: مسك المتلقي من خلال إيقاع الكتابة لأني أكتب بلغة المخرج الممثل، أي الجملة التي أكتبها جملة درامية وليست أدبية، خلق مفارقات بنائية ودرامية، التكثيف والاختزال في بناء الحوار، واعتماد الجمل التلغرافية القصيرة، تدشين أحداث وفضاءات جديدة، الجنوح صوب العنوانات التي تكون بمثابة نصاً موازياً للمتن، أما على صعيد الإخراج تنوعت التجارب ما بين مسرح الشارع والعلبة ومسرح مايم خيال الظل، في مسرح الشارع أحاول أن يكون الفضاء هو البيئة الحقيقية للعمل مثلما حصل في مسرحية (حذائي) في عرض المحاكم المحروقة في بغداد/ شارع المتنبي، وتجربة المايم خيال الظل في مسرحيتيّ (انتروبيا) و(الحقائب السود) كان التوجه نحو هيمنة الخطاب البصري للعرض المسرحي وتوظيف التقنية الرقمية في تأثيث فضاء العرض المسرحي، والاكتفاء بظل الممثل بوصفه سارداً جمالياً ومعرفياً لحيثيات الحدث، وبذلك يشهد فضاء الحدث مرونة عالية في الانزياح والتحول والتغير من مكان إلى اخرى بفعل التقنية.

 

 س_ كيف تربط المسرح بالجمال؟

إن المسرح بكل حيثياته هو قيمة جمالية كبيرة، في حدود وجهة نظري المتواضعة أرى أن الجمال راشح عن الفعل الابداعي والأخير هو استفزاز للذات، لذا أحاول أن أجسر علاقة ما بين المتلقي المنتج القارئ للنتاج وما بين النتاج نفسه.

 

 س_ هل تعطي أهمية لتصميم الديكور في عروضك؟

صراحة في النص المسرحي يشغلني الفضاء العام الذي تدور فيه الاحداث، وحينما لا أجد فضاء صادماً أشعر بالحزن، أما في الإخراج أحاول أن اجنح صوب المغايرة في تفعيل الانساق الجمالية لتشكلات الديكور، مثلما حصل في مسرحية (عزف نخلة)، إذ حولت صندوق العتاد إلى مهد.

 

س_ هناك مخرج يهيمن في اشتغاله الأداء التمثيلي، وآخر السينوغرافيا،أنت لمن تنتمي؟

خصوصية العمل هي التي تفرض عليّ النوع، بالرغم من أني أميل بشدة إلى فاعلية الخطاب البصري في العرض المسرحي واختزال القطع الديكورية وهندسة الفضاء من خلال جسد الممثل، لذا لدي شغف كبير بما يسمى بـ(مسرح مايم خيال الظل) الذي يشكل فيه الخطاب البصري هيمنة كبيرة على مفاصل العرض.

 

 س _ ماهو الحصاد الفني لديك؟

على صعيد التمثيل، اشتركت ممثلاً بـ (26) عملاً مسرحياً، فضلاً عن مسلسلين اذاعيين، اخرجت ستة اعمال مسرحية، كتبت ما يقارب (20) نصاً مسرحياً، وقد قدمت هذه النصوص من قبل عدة مخرجين وفي العديد من المدن العراقية والدول العربية والاجنبية منها: (سلطنة عمان، الكويت، الأردن، ليبيا، بلجيكا، المانيا، المغرب، الجزائر، تونس، مصر)، صدر لي ما يقارب (12) كتاب توزعت بين الشعر والمسرح والقراءات الثقافية والنصوص المسرحية، فضلاً عن الكتب المشتركة، حصلت على العديد من الجوائز الملحية والعربية، منها: (حصلت على المركز الثاني في مسابقة (التأليف المسرحي الموجه للكبار) التي أقامتها (الهيئة العربية للمسرح) في الشارقةعن نصي المسرحي (عزاء فاخر) 2021، حصلت على المركز الأول لمرتين متتاليتين في جائزة (علاء الجابر للإبداع المسرح- التأليف المسرحي الموجه للكبار) عن نصي المسرحي (طز) 2021، و(أدب سز) 2022، أحد الخمسة الفائزين في مسابقة (خمسة نصوص مسرحية تبحث عن مؤلف) التي أقامتها دائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة عن نصي المسرحي (منطقة حرجة) 2021، حصلت على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن فيلم (دومينو) في مهرجان القدس السينمائي الدولي2021، حصلت على جائزة أفضل إخراج عن مسرحية (حذائي) في مهرجان مسرح الشارع في بغداد دورة (الفنان فاضل خليل) في بغداد 2017، حصلت على جائزة لجنة لجنة التحكيم الخاصة عن مسرحية (انتروبيا) في مهرجان بلد الصمود الدولي اون لاين 2020. كتبت في العديد من الصحف العربية والمحلية وفي شتى فنون الصحافة، كُتب عني ما يقارب أكثر من (61) مقالاً نقدياً، كُتب عني ثلاث رسائل ماجستير، في الجزائر، جامعة محمد بوضياف/كلية الآداب واللغات/قسم اللغة والأدب العربي، (ثنائية الموت والحياة في مسرحيات علي العبادي)، (عناصر البناء المسرحي في مسرحية “حمام نسوان” لعلي العبادي)، في العراق، جامعة بابل/كلية الفنون الجميلة/قسم الفنون المسرحية (جماليات الفضاء في العروض المقدمة لنصوص علي العبادي المسرحية)،فضلاً عن العديد من الدراسات البحثية التي تناولت تجربتي داخل العراق وخارجه.

 

س_هل تكتب بطريقة المخرج أم المؤلف؟

الكثير ممن قرأ نصوصي قد أشار إلى أني أكتب بلغة المخرج أو الممثل، وهذا يأتي كوني اشتغلت ممثلاً ومخرجاً في حقل المسرحي، وقد عزز هذا الأمر اشتغالي في حقل الكتابة من خلال معرفتي ببعض ماهيات الفعل المسرحي، وقد تجلى ذلك في البناء الفني للنص وإدارة دفة الصراع وإختيار الجمل الدرامية دون الأدبية، لذا أحاول في الكتابة أن أخلق فعلاً بصرياً لدى القارئ، لأني معني بالفعل الدرامي الذي يشكل الصراع دون التعكز على متحفيّة اللغة، كون النص فعل ثقافي يتجلى على خشبة المسرح وهو مقترح عرض والعرض مقترح حياة، وليس مكانه رفوف المكتبات.

 

 س_هل تأثرت بصحفي أو ناقد ما؟

بالفعل تأثرت، يثيرني كثيراً الصحفي المثقف، تأثرت وتتلمذت على صعيد الصحافة على يد الكاتب والصحافي الراحل (ناظم السعود)، فهو قلم باذخ بحمولاته المعرفية والثقافية، وله آفاق نقدية لافتة وإشارات ثقافية هامة فيما يخص الحراك الثقافي، فضلاً عن العديد من النقاد منهم أستاذنا الدكتور (محمد ابو خضير).

 

س _متى ترى بذرة الإبداع في العمل المسرحي؟

يتجلى الابداع في تجاوز الانساق الجاهزة في الخطاب المسرحي، وخلق فضاءات ابداعية تحقق الدهشة لدى المتلقي، وتستفز مكامنه الفكرية والوجدانية عبر سلسلة من الاشتباكات المعرفية والجماليات التي تتمخض عن الفعل المسرحي.

 

 س _ على ماذا تستند في تنظيراتك، وكيف؟

حقيقة انجزت عدة كتب منها : (المخرج بوصفه قارئا) قراءات في المسرح العراقي المعاصر، (ما بعد الدعارة) قراءات في السوسيوثقافي، (المايم) دراسة في الأداء التمثيلي، (فن الممثل … رؤى واتجاهات)، (جدليَّة الجمال … النشأة والتمرحل)، في هذه الكتب منها ما اعتمدت الجانب البحثي محللاً طروحات المشتغلين في الحقل المسرحي وتنظيراتهم، إلى أن استقل برأي الخاص إزاء الظاهرة المدروسة، وهناك بعض الطروحات التي قدمتها هي رؤية تحليلية ذاتية قائمة على المكاشفات النقدية للجانب الاجتماعي الثقافي، مستعيناً بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على البلد ما بعد التغيير 2003 خصوصاً في كتابي (ما بعد الدعارة) قراءات في السوسيوثقافي.

 

 س_ هل تتناول المشاكل الاجتماعيه للبلد؟

جل اعمالي التي كتبتها أو التي اخرجتها، هي أعمال اجتماعية وعادة ما تكون عيناتي هي شخصيات مهمشة من القاع تعاني من القهر والاستلاب، إذ أحاول جاهداً أن أقدم هذه العينات بطريقة غير واقعية، محاولاً القبض على الدهشة والمغايرة والتجريب، في تأسيس المقترح البنائي للنص أو المشروع الاخراجي.

 

 س_ ماهو المكون البيئي الذي يحيط بك؟

البيئة العراقية تكاد تكون واحدة لا تتجزأ بكل حيثياتها وحمولاتها من الوجع والأسى والخراب الذي يحيط بالفرد، بالتالي كل هذه الامور ألقت بظلالها على اشتغالي في النص أو العرض.

 

 س_ مَنْ مِنْ المخرجين العالميين والعرب والعراقيين الذين تتعكز عليهم في اشتغالك؟

صدقاً لا اعتمد الاسماء بقدر اعتمادي العرض اللافت الذي يبقى في الذاكرة، لأن التمرحلات الزمنية لها دور كبير في خلخلة نظام الجودة أو الصدارة في الفعل المسرحي، أحياناً تجد عرضاً مسرحياً لمخرج ما ليس بالمستوى المطلوب، لاسيما وأنه سبق وأن قدم تجارب أو تجربة سابقة لافتة، لذا يستفزني العمل بوصفه مقترح جمالي للحياة، لكن بالرغم من ذلك أحببت تجارب بعض المخرجين العراقيين منهم دكتور (أحمد محمد عبد الامير) ودكتور (جواد الاسدي)، وعربياً اشتغال (محمد شرشال) و عالمياً الطروحات التنظرية لـ(كروتوفسكي، ستانسلافسكي).

 

س_ ماهو الايقاع في عروضك المسرحية، وعلى ماذا تستند في تحقيقه؟

بالنسبة لي هو روح العمل نصاً أو اخراجاً، في اللحظة التي يتوهج فيها الايقاع يتوهج العمل، والعكس صحيح، أحاول أن استند في تأسيس الايقاع في النص أو العرض على تدفق الفعل بطريقة تصاعدية، من خلق مفارقات داخل بنية النص أو العرض، ومن يقرأ نصوصي يجد ذلك جلياً، إذ أن الجمل الحوارية محسوبة تماماً، وبذلك أحاول أن يكون النص خالياً من الفائض اللغوي على حساب الايقاع، وكذلك الأمر بالنسبة للإخراج أو أسعى إلى تجسير علاقة جذب مابين المتلقي والفعل المسرحي الباث من خلال منظومة العرض المسرحي بعيداً عن أي فائض ممكن أن يخلق ترهل في البنية الجمالية للعمل.

 

 س_ حدثناعن خيالك وذائقة الفنية؟

الذائقية الفنية جاءت نتيجة تمرحلات عديدة من تلقي بسيط إلى متوسط، فضلاً عن الدراسة الاكاديمية، القراءة المستمرة لمختلف المعارف، الاطلاع على الفنون المجاورة، بالتالي كل هذه المسارات قد شكلت جزءاً من ذائقتي، أما الخيال فأن مدين له، فهو الذي جعلني ما أنا عليه الآن، هو رفيقي اليومي ومملكتي الدافئة التي انطلق من خلالها نحو آفاق واسعة في هذا العالم الرحب، وكما هو معلوم الفنان بلا خيال ليس بفنان، لأن ارتكاز موهبة الفنان تكون على الخيال.

 

 س_ ماهي أهمية النص المسرحي لديك؟

ما لا يمكن نكرانه أن النص المسرحي كان قد غيّر مجرى الكثير من الطروحات المسرحية وأسس لأخرى، فكان هو بداية التجديد والمغاير في الحراك المسرحي، من الأشياء المغرية لي في كتابة النص المسرحي دون التمثيل والإخراج، أني أمارس سلطتي الفكرية والجمالية بطريقة مطلقة دون رقابة من أحد، في حين في التمثيل تخضع لسلطة المخرج والمجتمع، وفي الإخراج لسلطة المجتمع، في الكتابة أكتب ما اشاء لا أحد يملي علي وأترك الصدام للمخرج مع المجتمع أن كان في النص ما يثير حفيظة الأخير، فالنص هو المشروع التأسيسي الأول للعرض المسرحي، ورغم التهميش الذي لحق بالمؤلف المسرحي عراقياً وعربياً، إلا أنه النص بقية راكزاً بوصفه فعلا ثقافيا وجمالياً.

 

 س_ كيف أثرت ظروف البلد عليك؟

أحياناً أرى، أنناكعراقيين عبارة عن مشاريع لجثث لم يعلن عن موتها، فنمارس كل شيء بطريقة باذخة في ظل قهر واستلاب مقيت، مما يجعلك هذا الخراب أن تشعر أن البلد قد تحول إلى مقبرة كبيرة، وما الأحياء إلا موتى متمردون يرفضون الدفن، لذا أن تداعيات أحداث البلد هي من شكلت كينونة اشتغالي في حقل النص والإخراج، وتأتي هذه المدونات اللغوي والبصرية كإدانة لهذا الواقع الراهن الذي نعيش.

 

 س_ما علاقتك بالتقنيين من (إضاءة وديكور وأزياء)؟

التقنيون في العرض المسرحي هم شركاء حقيقيين وفاعلين في إنتاج خطاب العرض المسرحي، وفي ظل التطور الحاصل في الحراك المسرحي لم يعد يطلق على التقنيات مكملات العرض المسرحي أو النظر لها بوصفها هوامش، بل هي نصوص بصرية لها سرديتها الجمالية في منظومة العرض المسرحية، هي من تفصح وتشاكس وتعيد صياغات الواقع عبر تفاعلاتها الفيزيائية، ويكون عملي مع التقننين انطلاقاً من ذلك.

 

س _ كيف كان التجريد في عروضك المسرحية؟

بالتأكيد كان حاضراً في العديد من الاعمال التي أخرجتها خصوصاً عروض المايم خيال الظل (الحقائب السود) و(انتروبيا) فضلاً مسرحية (حينما تعزف اللاءات) والأخيرة قد تجلى فيها التجريد من خلال المنظر المسرحي والأزياء.

 

 س_ هل تحب التمثيل الفردي أم الجماعي؟

أنتمي للعمل العميق والمؤثر الذي يترك أثراً طيباً لدى المتلقي، سواء كان فردياً أم جماعياً، بالرغم من أن الاول فيه مساحات واسعة للافصاح عن المستويات الادائية، وكنت حريصاً في الدراسة الاكاديمية أن اقدم مشاهد منفردة، لكن مع ذلك لم يكن هذا هاجسي فقط، بل البحث عن المختلف والمغاير والمؤثر.

 

س _ من خلال عملك ممثلاً مع المخرجين،ماذا استفدت منهم؟

عملت ممثلاً بالاعمال التالية (متحفالعصور، النهضةالمقدسة،مشهدالاسكندر بينجدارين،زقزقةشناشيل،مكبثوروميو، ماتبقىمنالوقت، الإمبراطورجونزعربياً، مواطن، السارقوالأمين،أما…أو، مشاجرةرباعية، خررررطذكوري،أنيابمنوحيالسراب، مأساةبائعالدبسالفقير، إعدامسين، حينماتعزفاللاءات، موتلميكتمل،(DL)،الصخرةوالحفرة،  كيمياءالألم، تراتيلسجادية، الحقائبالسود، عزفنخلة، انتروبيا، الهوراسي) كل مخرج تعاملت معه كانت له خصوصية معينة وهناك ثمة تفاوت وتباين بين مخرج وآخر على مستوى الجانب الفكري والجمالي، وبالتالي قد انعكس ذلك على مستوى ادائي التمثيلي، واستفدت من هذه التجارب العديدةفي التعامل مع هؤلاء المخرجين، حينما بدأت أمارس الاخراج، حاولت أن أقوض بعض المساحات الفائضة إخراجياً والتي بدورها تسهم في إرباك العمل، هذا على صعيد العرض، أما البروفة فسعيت أن أتدخل في أبسط الأشياء حتى بما يتعلق بحفظ الممثل للنص ومساعدته بذلك .

 

س..كيف تصور الفضاء في نصوصك المسرحية؟

اجنح كثيراً صوب الفضاءات التي فيها غرابة والتي تستفز مستقرات المتلقي المعرفية والجمالية، وبذلك أعدها نصاً موازياً للنص بكل حمولاته الدلالية والجمالية، وأحياناً أسس مشروعي الكتابي على أسس الفضاء كما في (حذائي، مقبرة، مرحاض، مبغى) أي أن تكون للفضاء هيمنته في سردية النظم الجمالية والفكرية للعرض المسرحي، خالقاً بعداً جدلياً حول ماهية وفاعلية الفضاء، وبما أن النصوص التي أكتبها هي احتجاجية، فالفضاء لا يكتفي بوظيفته الشكلية للحيز المكاني الذي تدور فيه الاحداث، بل بوصفهنصاً  فاعلاً ثقافياً وجمالياً في العرض.

 

س. هل تعطي للفضاء أهمية في نصوصك ام تترك للمخرج تصوير الفضاء؟

بالطبع يشغلني هذا الأمر كثيراً كما أسلفت، لكن أترك الخيار للمخرج في إعادة قراءة الفضاء، وفقاً لما تمليه عليه طروحاته الجمالية والمعرفية، فضلاً عن ممكنات الانتاج.

 

س…هل يحمل الفضاء في نصوصك عدة قراءات أم قراءة أحادية الجانب؟

أحرص كثيراً في كتابة النص المسرحي على فاعلية مرونته، أي تعددية قرأته من قبل المخرجين أو النقاد، بدءاً من العنوان العتبة الأولى للنص وحتى الختام، لأني أسعى أن يكون عمر النص أطول من عمري البيولوجي، لذا الفضاء الذي أشير له كمقترح لبيئة الحدث يتمتع بمرونة على صعيد الحذف والإضافة، دون أن يمس جوهر النص، مثلما حدث في النص المسرحي (حذائي) والتي قدمت من قبل أكثر من (14) مخرج عربي، إذ تعددت رؤاهم في الاشتغال على الفضاء، وفقاً لمرجعيات المخرجين الفكرية والجمالية.

 

س..هل تتدخل في تصوير فضاءات نصوصك المسرحية المقدمة كعروض؟

ممكن أن ابدي وجهة نظر، لكن ليس من حقي أن افرض بطريقة دكتاتورية، بالتالي أن النص كما اسلفت هو مقترح عرض، والعرض مقترح حياة، والأخير من صلاحية المخرج الذي يؤسس لهذا المشروع أو المقترح في ضوء الواقع والذي يعمل ضمن حيزه وما يطمح له.

 

س..كيف ترسم فضاءات..نصوصك ..عروضك؟

اعتمد في اختيار الفضاء على المغايرة والاختلاف في إعادة قراءة الفضاء الراسب في العقل الجمعي، كي أحاول أن خلق فضاء مغايراً وظيفياً ودلالياً وجمالياً، ويتضح ذلك جلياً في النصوص التالية: (حذائي، مقبرة، مرحاض، مبغى، براد الموتى)، هنا الفضاء في هذه النصوص يشكل مركزاً في المنظومة النصية، أما على صعيد الإخراج أحياناً كثيرة لا التزم بفرضية الفضاء نصياً، مثلما حدث مسرحية (تحريق، حذائي، حينما تعزف اللاءات، الحقائب السود) والأخيرة أخرجتها بطريقة مختلفة تماماً عما كتبت به، وأصبحت سردية الفضاء افتراضية بوساطة التقنية الرقمية (الداتشو) لكون هذا العمل يعتمد على (المايم خيال الظل).

 

س..هل تتطابق رؤيتكمع رؤية المخرجين لنصوصك؟

بالتأكيد، لا، لان لكل واحد منهم مرجعياته الثقافية والجمالية والذوقية، التي لا تسمح باستنساخ الذات المنتجة، وإلا ما الجديد مما يقدم إذا كان الخطاب احادياً!

 

س..هل حدث أن قدم أحد نصوصك بأكثر من عرض ومكان لنفس النص برؤية إخراجية مغايرة بأكثر من فضاء؟

قدمت نصوصي من قبل العديد من المخرجين العراقيين والعرب، ولكل مخرج قدم هذه النصوص بطريقته الخاصة، هناك بعض النصوص قدمت من قبل أكثر من مخرج، فتعددت الرؤى والفضاءات، لكن لم يحدث أن قدم نص لي من قبل مخرج بتعددية الفضاء، بإستثاء إخراجي لمسرحية (حذائي) التي قدمتها بفضاءات مختلفة.

 

س..هل تنوّع الفضاء في تقديم نصوصك كعروض بين المغلق والمفتوح أو كلاهما في العرض الواحد؟

قدمت نصوصي من قبل المخرجين بفضاءات عدة مابين المغلق والمفتوح والشارع، بانتماءاتها المتعددة (المايم) و(المايم خيال الظل) الخ… فمسرحية (الحقائب السود) قدمت في فضاء مغلق ومفتوح، ومسرحية (حذائي) قدمت في فضاء مغلق ومفتوح وشارع.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحث مسرحي من العراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت