نص مسرحي: “ موازاة “ / تأليف: رؤى حازم

(ينقشع الظلام شيئا فشيئا من على المسرح فيظهر جنديان يقفان منذ زمن بمكان بعيد معزول عن العالم الحقيقي لا يفصلهما سوى خط الحدود الذي بينهما, الأول ينتمي لبلد, والأخر ينتمي لبلد أخر, يتبختر كلاهما لحماية الجزء الذي يتولاه برتبته العسكرية , يتجاهلان بعضهما وكأن الآخر غير مرئي )

الجندي الأول( ضجرا مع نفسه ) متى تنقشع هذه الظلمة, متى أستطيع المغادرة, ربما لن أغادر أبدا, وإن غادرت!! ماذا سيحدث ؟ لن يتغير شيء مطلقا

هاجس : عدت للهراء مجددا

الجندي الأول: (معترضا) هراء !! أأصبحت حياتي هراء منذ أن وقفت هنا؟

هاجس : الحياة خدعة , يخدعونكم بها

الجندي الأول : من !! من هم ؟ من يخدعنا ( ينظر يمينا وشمالا ) إنَّ كنت رجلا يا هذا أظهر نفسك ودعنا نتكلم رجلا لرجل

الجندي الثاني: (ينظر إليه بغرابة يقول في نفسه) قد جن جنونه بالتأكيد, يحدث نفسه كل ليلة كمن يرى أشباحا

الجندي الأول : هي أين رحلت ؟ أتخاف مني ؟ أتخاف من يظنون أن العيش واجب ؟

الجندي الثاني : هه !! ليرحمك الرب أيها العدو

الجندي الأول: (يعود لصوابه) كفى تخيلات, كفى ( يرتب نفسه ويستعيد ثباته) (بضع ثوان ويتحدث لأول مرة موجها كلامه للجندي الآخر) هي ! أنت !

الجندي الثاني : (ينظر إليه بغرابة ولا يرد)

الجندي الأول : نعم أنت ، إنني أتحدث اليك

الجندي الثاني : ( لا يجيب ..)

الجندي الأول : هل أنت أصم ! أنا أتحدث إليك

الجندي الثاني: ( لا يجيب … )

الجندي الأول: وأخرس أيضا ! يا للهول (يضحك ويشير إليه بيديه) هي يا رجل عليك أن تذهب لمنظمة.. أممم ماذا كانت تدعى؟ منظمة الأنسان !! منظمة حقوق الإنسان؟ أوللإسان حق هنا ؟ ( يسخر ) هي

( صمت )

الجندي الأول: أبله, برأس كبير وخوذة قديمة الطراز (يهمس) وتلك الملابس الغبية لا أعرف من صممها لكم، ولنا أيضا، نبدو كالمهرجين ربما أسوأ لا أستثني نفسي من السخرية، أحسد المهرج الآن, أحسده لإنه يستطيع إضحاك الآخرين, وما فائدة إضحاك الآخرين وأنت حزين ومكتئب؟ مرة أخرى أعود إلى عادتي السيئة وأثرثر كما الببغاء ولا أحد يسمعني ..

(صمت ) 

الجندي الأول: هي أنت أيها السمين !! أتحاول تجاهلي ؟ لكننا نتجاهل بعضنا منذ سنين ما الفرق (يضحك)

الجندي الثاني: ( بامتعاض ) ماذا تريد ؟ ماذا تريد ؟ دعنا نكمل ما بدأناه عسى الصباح يأتي وكلا منا يرحل للراحة .

الجندي الأول(يسخر)  لست أطرش، هذا مريح نوعا ما .

الجندي الثاني : هل شتمتني لتوك ؟

الجندي الأول: عذرا !  ولكن هل جرحت مشاعرك !

الجندي الثاني : (يشيح ببصره عنه )

الجندي الأول: (بحماس غير معهود ) شياطيني اليوم غريبة بعض الشيء أنها تخبرني بأن نتغير ليوم واحد, ما رأيك؟ يوم واحد فقط ! نصبح صديقين حميمين, كما تعلم نحن سويا في هذا منذ زمن !! ربما أنت تفكر بما أفكر به تماما لكنك لا تستطيع المبادرة ولكن لعلمك أنا أستطيع .

الجندي الثاني: ( لا يرد )

الجندي الأول : ها قد عدنا لنقطة البداية

(صمت )

الجندي الأول( يحاول مجددا ) هل لديك سيجارة !

الجندي الثاني : (لا يرد …)

الجندي الأول : هل أشتمك مرة أخرى لكي تسمعني !

الجندي الثاني(بغضب) أنك تبحث عن ذريعة لنتقاتل فهذا ما تجيدون فعله.

الجندي الأول : وهل طلب سيجارة تعني الحرب ؟ أم إننا بالفعل أعداء ؟ هل أنت عدوي ؟ لا أعتقد هذا , لا أعرفك حتى ! متى أصبحنا أعداء ؟ ولم علي قتلك ؟

الجندي الثاني : لا أرى أية فائدة من ثرثرتنا معا .

الجندي الأول : ولمَ لا ؟ نحن هنا معا في نفس المكان والزمان وعلى أرض واحدة, نحن أيضا من بني البشر إنَّ لم أكن مخطئا ( يضحك )

الجندي الثاني : لسنا معا ولن نكون معا , يفصلنا هذا الخط إلى الأبد (يشير إلى خط الحدود) .

الجندي الأول : نحن نقف هنا منذ زمن بعيد, أحدنا يعرف الآخر، صحيح أننا لم نتحدث ولو مرة واحدة، ولكن لا يهم هنالك صلة بيننا ألا ترى ذلك, كلانا قدره مشؤوم .

الجندي الثاني : يبدو أنك تعد الأيام جيدا, أغلق فمك, ودعني أقوم بواجبي, دعنا نكمل ما بدأناه حتى نقضي حتفنا بشرف كما يفعل البقية أن كنت تبحث عن الشرف بالطبع، ولا أظنك تبحث  عنه .

الجندي الأول: البقية ؟! (يضحك بصوت عال ) يا إلهي ! البقية ؟ ساذج هل هذا ما تريد فعله بقية حياتك ؟ هل هذا ما عانيت لأجله ؟!

الجندي الثاني : وهل هنالك شيء نفعله غير هذا, هذا هو الهدف من البقاء

الجندي الأول : يبدو أنهم غسلوا مخك جيدا .

الجندي الثاني :  (يصمت ولا يجيبه ) .

الجندي الأول : هل لديك سيجارة ؟

الجندي الثاني : لا أدخن .

الجندي الأول : هه ! أنت تكذب , رأيتك عدة مرات تنفث الدخان كما لو أنك مدمن .

الجندي الثاني(بامتعاض ) ليس من شأنك يا هذا.

الجندي الأول(يسأل بحيرة) امممم هل تخاف أن تخون وطنك ؟ لا تقلق لن أخبر أحدا بموقفك البطولي هذا , سألتزم الصمت أقسم لك (يسخر) .

الجندي الثاني : أخرس ، ودعنا ننهي حديثنا هنا , فقد ضقت ذرعا

الجندي الأول(يحاول إخافته واستمرار الحديث معه) هل سمعت صوت الذئاب !

الجندي الثاني : إنها أصوات معدتك الخاوية

الجندي الأول : لا ، لا أنصت ، هل تسمع !

الجندي الثاني : إنك تهذي .

الجندي الأول : ربما

( يسود الصمت مرة أخرى يجلس الجندي الأول على كرسيه ليريح قدميه قليلا متأوها أما الجندي الثاني فيبقى واقفا كالصنم )

الجندي الأول : أه يا إلهي , أشعر بأنني سأفقد قدمي قريبا , هل لديك سيجارة !

الجندي الثاني(بغضب)  تبا لك .

الجندي الأول(يضحك) أمزح, أمزح، هون عليك كنت أتجاذب أطراف الحديث معك فقط لأن هذه الليلة السوداوية تأبى الرحيل ، مللت الوقوف فأردت مصادقتك .

الجندي الثاني(بجدية)  لا صداقة بيننا .

الجندي الأول(متسائل) : ولمَ لا !

الجندي الثاني : يبدو أنك نسيت بأننا أعداء !

الجندي الأول(ينظر عن يمينه وشماله) من ! عدو ؟ أين ؟ أتقصدني ؟ هل قتلت فردا من عائلتك لأكون عدوك ! أم أنني سلبتك حقك !

الجندي الثاني : لا ولكن …

الجندي الأول : ولكن ماذا !

الجندي الثاني : لا يهم .

الجندي الأول : مضى على وقوفنا هنا زمن طويل تخونني ذاكرتي أحيانا , فلا أعلم بأي يوم نحن ، حتى أنني قد نسيت كيف هو شكل ذلك الجحيم الذي أقوم بحمايته .

الجندي الثاني(غير مكترث)  تقاعد .

الجندي الأول : لدي عائلة أطعمها .

الجندي الثاني : قف وأنت صامت لكي تطعمها .

الجندي الأول : بات الوقوف هنا يضجرني يصيبني بالغثيان، أحيانا أشعر بأن المرض ينهش جسدي, قد سأتحول إلى كائن غريب في يوم ما, أو ربما إلى مسخ كافكا

الجندي الثاني : أنت تبالغ .

الجندي الأول : أبالغ ؟ أنا ؟ ( يضحك بصوت عال ) ربما كان هذا سببك الوحيد للبقاء على قيد الحياة , لكني أملك العديد من الأسباب لأكمل

الجندي الثاني : كف عن قراءة الكتب في خلوتك , فهي من فعلت بك هذا , ثق بقادتك فقط لا غير

الجندي الأول(يضحك)

الجندي الثاني : أطلب المساعدة فورا وألا سيتفاقم الأمر عليك .

الجندي الأول: (يتكلم بجدية ويقف على قدميه مرة أخرى) إنهم يسخرون منا .

الجندي الثاني : من ؟

الجندي الأول : أولئك الذين يتربعون على العروش

الجندي الثاني : أتتحدث بالسوء عن أسيادك !

الجندي الأول: ربما هم أسيادك, ليسوا أسيادي, أنا سيد نفسي, أنت ممن يستجدون الرضا ممن هم أعلى مرتبة منه

الجندي الثاني : أنه لشرف عظيم.

الجندي الأول: نعم، نعم ها قد بدأنا الهراء مرة أخرى والحديث غير المجدي عن الوطن والشرف، أنت لا تعلم الحقيقة

الجندي الثاني : أية حقيقة !

الجندي الأول : ستكتشفها قريبا .

( صمت …….)

الجندي الأول : هل لديك سيجارة !

الجندي الثاني : تبا لك أيها الأحمق ولتلك السيجارة اللعينة، خذها ولا تفتح فمك مرة أخرى معي، إن وجدوني أتحدث معك سأعدم أو أوصم بالعار مدى الحياة ( يناوله سيجارة خلسة )

الجندي الأول: (يضحك) وهل أنت خائف إلى هذا الحد يا حامي الحدود! لا يوجد أحد هنا غيرنا, أنت وأنا والسماء ونظرات الرب التي لا تفارقنا هو الوحيد الذي يعلم ما أتحدث عنه،

الجندي الثاني: أخاف على سمعتي، بالطبع أخاف، وأموت خوفا كل يوم، ألا تخاف أنت ! أنه شرف عائلتك ووطنك ، إنهما على المحك بسببك .

الجندي الأول: تخاف ممنَ؟  من هذه الصحراء الخاوية ؟! إنك مهووس , نعم مهووس ليس إلا بتلك المفردات العميق التي حفظتها ولكن لم تفهمها. أما أنا أفضل أن أموت قريبا على حماية شيء لا يعلم بوجودي حتى.

الجندي الثاني : غبي , غير مبال إلا بنفسك .

الجندي الأول : عليك إعطائي ولاعة لأنك قمت بشتمي .

الجندي الثاني : هل تقايضني أم أنك تبحث عن رشوة .

الجندي الأول : سمها ما شئت ، ولكنك يجب أن تعطيني ولاعة .

الجندي الثاني: ( يخرج ولاعته ويرميها على الجندي الاخر) هلا صمت الأن ! دع السكون يحل قليلا, صخبك هذا يزعجني ويعكر صفو مزاجي .

الجندي الأول : (ينفث دخان سيجارته منتشيا من أول نفس يأخذه)عليك تجربة هذا الشعور، أجلس بجانبي ودعنا نتشارك هذه السجارة اللعينة خذ نفسا عميقا وأستنشق هذا الدخان، عليك أن تنتشي وتغمض عينيك لتجد روحك بين الغيوم تداعب النجوم، وتارة ترقص الصالصا مع عشيقتك (يضحك) الصالصا؟؟ مرة واحدة أبدو كالمجنون حقا

الجندي الثاني: إنك حللت الليلة علي كما يحل البلاء, عليك زيارة الطبيب قريبا .

الجندي الأول : أبله, لا تعلم ما هي المتعة حقا، إنك تفوت الكثير, دع غيرك يغرق بالملذات وأنت هنا قابع  ببسطالك  وبناطلك الضيق والرمال تلفح وجهك, لو أنك سجنت لكان أفضل لك فقد حصلت على الحرية هناك، أما الآن أنت في أسوء حالاتك.

الجندي الثاني: لا أجد ابلها هنا غيرك، لا تشبه حراس الحدود حتى. هذا يفسر الكثير عن وطنكم الذي تسكنونه، هذا ما تعلمتموه على تلك الارض .

الجندي الأول : وما شأن الأرض بنا ! وماذا علمتكم أرضكم يا ترى ؟

الجندي الثاني: ( يصمت …..)

الجندي الأول :هذا ما توقعته تماما .(ينفث دخانه عاليا ويغمض عينيه وكأن روحه تفارق جسده مع خروج ذلك الدخان من فمه )

الجندي الثاني : أحمِ أرضك وأنت صامت، هذا أفضل لكلينا .

الجندي الأول : منذ متى ونحن هنا ؟!

الجندي الثاني : يبدو أنني لن أنتهي منك بسهولة (يهمس) , منذ زمن بعيد .

الجندي الأول : من كان هنا قبلنا ؟

الجندي الثاني : بعض الجنود الذين قد لقوا حتفهم

الجندي الأول : وماذا جنوا ؟

الجندي الثاني : وماذا تريد أن تجني أنت ؟!

الجندي الأول : ربما المال , أو ربما أتوق إلى المجد , نعم , نعم أريد المجد , أن يذكر أسمي على المنصات أن يعرفني الجميع ويمجدوا أسمي , لا أريد أن أكون جندي مجهول

الجندي الثاني: (يسخر) يبدو أن السيجارة قد بدأت تأخذ مفعولها .

الجندي الأول: (يقف ويضرب خط الحدود بقدمه ممتعضا) ماذا سيحدث إنَّ تجاوزت هذا الخط ؟

الجندي الثاني : أحلام اليقظة قد بدأت تعبث بعقلك , عد إلى رشدك

الجندي الأول : أخبرني ماذا سيحدث ؟؟ قل لي إن تجاوزت أنا هذا الخط , ما الكارثة التي ستحدث ؟

الجندي الثاني: (يسخر) لا شيء سوى أنني سأخترق رأسك بسلاحي

الجندي الأول : أقنعونا بأننا أعداء ونحن صدقناهم ، لم نحاول حتى .

الجندي الثاني(يتحدث بجدية) بالفعل, إنك الآن تتحدث بشيء منطقي, نحن أعداء، وهذا سبب وجيه لوضع تلك الخطوط، إنها تمنع الآخر من أن يتجاوز حده, فنحن البشر لا نستطيع العيش معا بسلام نبحث دوما عن الفوضى ليست الفوضى فقط ولكن الأستيلاء والسلطة وأي شيء خارج عن المألوف .

الجندي الأول : هذا ما يحاولون فعله, صدقنا تلك المزحة التي يلعبونها معنا, هذه الخطوط خدعة , خدعة لكي نبقى منشطرين إلى نصفين .

الجندي الثاني : أرجو أن تهدأ الآن وتترك تلك السيجارة من يدك فقد بدأت تهذي كثيرا إنك تحمي حدود وطنك , ربما أنت ساذج أو ربما أنك تشتاق لعائلتك كثيرا فتثير المتاعب .

الجندي الأول : نحن نعيش في زنزانة بحبس انفرادي , تدعى الوطن !

الجندي الثاني : إن كنت غير مؤمن بقضية الوطن ، لمَ أنت هنا تقف بخوذتك وزيك العسكري ؟

الجندي الأول : العوز ربما , أو لأنني لم أجد فرصتي إلى الآن , أنا , أنا لم أعد مؤمنا بتلك الشعارات والهتافات التي يطلقونها ربما استيقظت أخيرا من سباتي .

الجندي الثاني : لولا هذا الخط لتناحرنا بيننا

الجندي الأول : من قال ؟ هم ؟

الجندي الثاني : هذا بديهي

الجندي الأول: (يضحك) هراء, عليك أن تقول الحقيقة

الجندي الثاني : أي حقيقة تحاول الوصول إليها ؟

الجندي الأول: أننا حطب الوطن, هو النار ونحن الحطب الذي يُحرق لأجله, وعندما نصبح رمادا لن يذكرنا أحد, سنطوى طي الصحف, ويبقى الجبابرة يتقلبون في عروشهم .

الجندي الثاني : إنك تخلط المفاهيم ببعضها ,لكل أمرئ هدف, ونحن خلقنا لأجل هذه الغاية .

الجندي الأول : لم نولد لأن نكون حراس حدود , من وضع هذا الخط ؟

الجندي الثاني : لا أعلم

الجندي الأول : لو قمنا بمحوه , بممحاة , أو بأرجلنا ماذا سيحدث ؟

الجندي الثاني : تهدد أمن بلد بأكمله ؛ لأنك تريد أن تلعب قليلا ؟

الجندي الأول : قل لي لو تبادلنا الأماكن، وقمت بحراسة منطقتي وأنا قمت بحراسة منطقتك, ماذا سيحدث ؟

الجندي الثاني : كان حواري معك منذ البداية خاطئا، لم أكن أعلم أنك ستتمادى إلى هذا الحد (يشيح ببصره عنه)

الجندي الأول: (يقفز إلى الحدود الثانية بكامل عنفوانه ، ويقف إلى جانب الجندي الآخر ينظر إليه بتحد)

الجندي الثاني: (بغضب ويصوب نحوه ببندقيته) أيها الأحمق ماذا تفعل؟ هل أنت أبله؟! أرجع إلى مكانك فورا

الجندي الأول : هل اهتزت الأرض؟ هل انقلبت الموازين؟ لم يحدث شيء!! نستطيع أن نقف أنا وأنت بنفس البقعة دون أن يحدث شيء .

الجندي الثاني : أرجع إلى مكانك فورا قبل أن يلاحظ الحراس ذلك (يوجه بندقيته نحو رأسه )

الجندي الأول: ما رأيك أن نصبح واحدا أٌقصد عصبة واحدة متلاحمة لا يفرقها شيء، هل ستنقلب الموازين حقا؟ هل ستغضب السماء ؟

الجندي الثاني( غاضبا ) أرجع إلى مكانك، هذا تحذيري الأخير لك

الجندي الأول: (بسخرية أكبر) لا مانع لدي بأن أحرس حدودكم أيضا، فأنا عن نفسي لست عدوا لأحد

الجندي الثاني : (يمسك بالجندي من رقبته ويهدده)  التحذير الأخير لك إن لم ترجع إلى بلدك سأطلق جهاز الإنذار بسبب خرقك لمعاهدة الحدود, ستحاكم وتعاقب، و ستسجن وربما ستعدم لأنك لم تحفظ الأمانة, وقد يسمحون لي الآن بقتلك وتهشيم رأس المجانين هذا، لن ينقذك أحد, أستغل حلمي هذا وعد إلى وطنك .

الجندي الأول: (يبعد يد ذاك الجندي عنه ويضحك) من أعطاكم الحق بقتلي؟ من أنتم لكي تمسوني بالسوء

الثاني: لقد نفد  صبري أيها الجندي (يصرخ فيه ) عد إلى بلدك قبل فوات الأوان, ألا تنتظرك عائلتك لكي ترجع أليها؟!

الجندي الأول: (بغضب) ليس لي عائلة, عائلتي قتلت و اغتصبت بسبب حروبكم الغبية، فقط لأنك تحافظون على هذه الخطوط التافهة، فتقومون بإزهاق أرواحنا مرارا وتكرارا، تحاولون خنقنا ونحن على قيد الحياة، وإن مللتم قليلا بدأتم بتوسيع سيطرتكم بتقديم الخط إلى الأمام، أو بتغيير لونه من أسود إلى أحمر أو أزرق، أو اصفر, أهذه الحياة التي نعيش لأجلها ؟! هل هذا هو الوجود حقا ؟!

الجندي الثاني : لا بد من ثمن .

الجندي الأول : و الثمن نحن أليس كذلك ؟ وجدت في هذا الكون الفسيح لكي أقتل ؟ لأغتصب ،  لأموت ؟ لا لأن أحيا ؟هه !! هراء .

الجندي الثاني : أرجع إلى وطنك يا هذا، أنا لست بقاض الحجات هنا, أنا مجرد حرس حدود أحرس وطني أن كنت معترضا قم بثورة، ولكن هناك في وطنك, أذهب لمن قتلوكم وأسحقهم إنَّ شئت لا شأن لي بكم

الجندي الأول : ثورة !! حتى الثورات لم تعد تنفع , فلا وجود للأنسان بيننا

الجندي الثاني : ربما سيأتي اليوم الذي يصبح جميع بني البشر  يدا واحدة ، وهذا مستحيل ولكني سأحاول أن اجاري خيالك لأنك تبدو ضائعا .

الجندي الأول: (يقفز عائدا إلى حدود دولته ويجلس على كرسيه يخرج سيجارة أخرى من جيبه وولاعة ويدخن )

الجندي الثاني: لديك سيجارة وقبل دقائق كدت أن تخسف رأسي لأجل واحدة, أمرك غريب (يشيح ببصره عنه غير مبال )

الجندي الأول : أخبرني هل حدث فرق عندما اخترقت حدودك ؟

الجندي الثاني:إنه خرق لسيادة الدولة، لو علم أحد بهذا لكنت قتلت، وأنا سأصبح خائنا في بلدي؛ لأني لم أحافظ على الأمانة التي أوكلت إلي , لابد من حدود لكل شيء

الجندي الأول : وهل هذه هي الحدود التي نتحدث عنها الآن ؟

الجندي الثاني: لا أعلم ولكن لابد من قوانين تحكمنا, لابد من خطوط حمراء تمسك بزمام الأمور لكي نعيش بسلام .

الجندي الأول : وهل نعيش بسلام حقا !! هل هذا هو السلام الذي نبحث عنه !

الجندي الثاني : لأكن أكثر دقة ليس هنالك سلام , سوى السلام الداخلي!! ( يسخر )

الجندي الأول: (يضحك ) سلام داخلي؟؟ أصبحت شاعريا لمجرد أنك تحدثت معي لبضع لحظات، ربما سنصبح أصدقاء مقربين يا هذا

الجندي الثاني : لن أصبح صديقك , أخبرتك سابقا ليس بيننا صداقة نحن أعداء

الأول : قد نشرب الشاي معا يوما ما ؟؟

الجندي الثاني : في بلدي أم بلدك؟

الجندي الأول : بجانب خط الحدود الذي نقف أمامه الآن

الجندي الثاني: (يضحك) لا يهم , المهم أن يكون شايا لذيذ ا كالشاي الذي كانت تعده لي أمي عندما كنت أعود بعد بضعة أشهر من العمل .

الجندي الأول : هل ما زلت تذكر ملامحها ؟!

الجندي الثاني : أتذكر رائحتها

الجندي الأول : هل أصبحنا أصدقاء ؟

الجندي الثاني : تبا لك .

الجندي الأول : نحن أصدقاء الآن, هذا رائع لطالما أردت أن أصادق حرسا للحدود, أردت أن أشاركه مخاوفي وقلقي، وأحيانا أخرى ثرثرتي عن الوجود .

الجندي الثاني : لا تبدأ مرة ثانية ذاك الهراء الذي لا جدوى منه, هذا الخط الذي بيننا سيبقى إلى الأبد إلى أن يتغير شيء ما

الجندي الأول : يتغير ماذا ؟

الجندي الثاني : ربما نحن .

الجندي الأول : وأن تغيرنا نحن ماذا سيتحدث بعدها، هل سيأتي أحدهم ويحكم جميع البلدان بعدل ؟ ونقوم بمسح تلك الخطوط ؟

الجندي الثاني : لم أكن أقصد ذلك , ماذا لو تغيرت نفوسنا كبشر !!

الجندي الأول : لن نتغير لا تحلم حتى بذلك .

الجندي الثاني : تخيل معي ماذا لو أصبحنا جميعا أحرارا؟

الجندي الأول : تخيلت معك ، ولكن رأيت عبيدا فقط !

الجندي الثاني : ماذا لو ترك العبيد أصنامهم يوما ؟وخذلوهم وأصبحوا أحرارا فجأة

الجندي الأول : سأقف على تلك التلة وأنظر ماذا سيصنعون بحريتهم؟!

الجندي الثاني : لا وجود للتلال هنا

الجندي الأول: (يضحك) بت حالما أكثر مني حتى .

الجندي الثاني : لطالما كنت أبحث في هذه الصحراء المظلمة عن شهاب يضيء هذا الظلام الحالك

الجندي الأول : تلك الشهب تأبى أن تنير الأرض، إنها تنير السماء فقط, ولكن أخبرني أحدهم يوما بأن في نهاية النفق نورا، وذلك النور سيكتسح الظلمة ويبتلعها عن بكرة أبيها .

الجندي الثاني : نعم, نعم هذا ما أتحدث عنه, إنه نور الحرية, ربما ستهبنا السماء يوما البصيرة التي لطالما حلمنا بها .

الجندي الأول : لم نفعل شيئا لكي تهبنا السماء تلك البصيرة !!

الجندي الثاني : لربما سينقضي الشتاء وينتهي السبات , ربما سينتفضون يوما !!

الجندي الأول : ستثور البحار يوما ، وتبتلع بأمواجها هذا الخط الغبي

الجندي الثاني: ستعزف ألحان الحرية قريبا, سنسمع لحنها لا يعلو على صداها شيء, ستصدح تلك الأصوات الثائرة

الجندي الأول : أتعلم أيها الصديق , صحبتك أنستني الكثير من ألمي الذي كان ينهشني من الداخل

الجندي الثاني: (يضحك ويجر كرسيا من جانبه لكي يجلس ) أه لو أن أحدا قد علم بهذه الأحاديث

الجندي الأول : أراك تجلس ؟!

الجندي الثاني : أشعر بالتعب, وقفت طويلا هنا, ولم يخبرني أحد بأن أرتاح قليلا, لم يهتم أحد لأمري, واقع مزرٍ, أليس كذلك !

الجندي الأول : سأهتم بك

الجندي الثاني : لا تصدق نفسك بأننا أصبحنا أصدقاء

الجندي الأول : يكفي بأنك أخبرتني بما يخالجك , سبب كاف , وأيضا لدينا العديد من المشتركات هنا

الجندي الثاني : أي مشتركات ؟

الجندي الأول: كلانا بعيد عن الواقع والحياة الحقيقة, كلانا يحرس الحدود على أمل أن يأتي أحدهم من المجهول لكي ينتشلنا من هذا الهراء الذي نغوص فيه, كلانا يبحث عن الحرية أو حقيقة مطلقة تضعنا على بر الأمان .

الجندي الثاني : ربما ..

(صمت ) 

الجندي الأول : هل أعطيك سيجارة

الجندي الثاني : عرض مغر , هل تريد استرجاع ما أخذته مني قبل قليل ؟!

الجندي الأول : سأعوضك عن تلك السيجارة يا صديقي

الجندي الثاني : لن أرفض (يأخذ السيجارة من صديقه ويخرج ولاعته ويبدأ بالتدخين) (بعد أول نفس) عظيم, عظيم

الجندي الأول : ما هو العظيم ؟!

الجندي الثاني : النهايات السعيدة

الجندي الأول : أكره النهايات حتى وإن كانت سعيدة

الجندي الثاني : فجأة شعرت بشعور غريب يتسلل إلى داخلي, شعور لم أعهده من قبل, شعور يشبه الفناء ربما، أو شعور السكينة والطمأنينة الذي لطالما وقفت هنا في هذه الصحراء المزعجة لكي أجده ولكن ..

الجندي الأول : ولكن ماذا !!

الجندي الثاني : كيف هو شعور أن تفنى إلى الابد ؟

الجندي الأول : لا أعلم , لم هذا السؤال المفاجئ !

الجندي الثاني : كيف هو الشعور أن تموت وحيدا غريبا لا يعلم أحد بك ، ولا ينتظرك أحد ولا يحتضنك أحد في آخر لحظات حياتك

الجندي الأول : وما فائدة الاحضان إن كنت تلفظ أنفاسك الاخيرة؟ (يدخن السيجارة أكثر فأكثر وينفث الدخان عاليا كما لو أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة عبر ذلك الدخان)

الجندي الثاني : أشعر أن جسدي أصابه الإعياء فجأة ..

الجندي الأول : إنها أفكارك ، قد أعيتك كثيرا ؛ لأنك خبأتها لوقت طويل حتى كدت أن تكون أنت العبء عليها .

الجندي الثاني: (يسعل عدة مرات) حتى وأن أطلقتها لن ينصت لنا أحد، سيتهموننا بالجنون أو الخروج عن القانون, سنتحول رمادا في طرفة عين

الجندي الأول: لا يهم إن تحولت رمادا أو بقيت على قيد الحياة، المهم أنك أحدثت فرقا, أحدثت تغيرا ولو ضئيلا, حتى تأتي لحظاتك الأخيرة فتصفق لنفسك؛ وتطبق جفنك مطمئنا لأنك على الأقل كنت بطلا بأفكارك ولم تكن جبانا

الثاني: (يسقط من كرسيه على الأرض وتسقط سجارته من يده )

( ينظر الجندي الأول إليه بدهشه وخوف واضطراب ، يرمي سلاحه جانبا ويتجاوز خط الحدود ويمسك به واضعا إياه في حجره)

الجندي الأول: (بخوف ) ما بك ؟؟ ماذا يحدث معك الآن ! ما الذي يؤلمك !

الجندي الثاني: (بصوت ضعيف) كنا في هذا معا منذ سنوات عدة، ولم تخبرني بأسمك حتى

الجندي الأول: (بتوتر وقلق) اسمي !! نعم اسمي , اسمي هو

الجندي الثاني: (يبتسم ) يبدو أنك نسيت أسمك أيضا

الجندي الأول: (يضحك ) لقد فاجأني سؤالك , لم ينادني أحد منذ مدة

الجندي الثاني : أمزح معك فاسمك مكتوب على صدرك هل نسيت ذلك ؟!

الجندي الأول : ها ! تبا لأسمي قم يا فتى لا تمت هنا

الجندي(يسعل) يبدو أن المنية قد حانت, أشعر بأن روحي بدأت ترفرف متلهفة لأن تطير عاليا فقد مللت الوقوف بلا جدوى , أنت تمنيت وأن حصلت على أمنيتك

الجندي الأول : ليس هنا أرجوك ,ليس الوقت المناسب , هيا قم معي

الجندي الثاني: وهل هنالك وقت مناسب للموت أيها الأبله, جميع الأوقات والأماكن مناسبة له

الجندي الأول: (بقلق وتوتر ) تبا !! ماذا أفعل الآن , ماذا أصنع !!

الجندي الثاني : عدني بشيء !

الجندي الأول : نعم , نعم قل لي , ماذا تريد هل لديك رسالة لعائلتك !

الجندي الثاني(بأنفاس متقطعة) أحرس حدودنا حتى يأتيهم خبر وفاتي فيبعثوا حارسا آخر إلى هنا أنت تعلم كيف تجري الأمور هنا .

الجندي الأول(بحزن وألم) لا تقلق سأحرس حدودك وحدودي، ولكن قاوم أرجوك لدينا الكثير لفعله معا, لدينا الكثير من الثرثرة التي يجب أن نتحدث عنها, الكثير من الأماني والسجائر أريد أن نعبر الحدود معا .

الثاني : حان الوقت يا صديقي .. شكرا لأنك عبرت الخط (يشهق شهقتين بقوة ويفارق الحياة بأحضان صديقه حارس الحدود ) .

 ستــــــــــــــــــــــــــار 

 

* رؤى حازم / 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت