بتونس: بالصور… سهرة “السامور” بمدينة الثقافة أصالة وانفتاح وجمال/ د. فوزية ضيف الله

حتى لا ينقطع وصل الصحراء:

كانت سهرة اليوم الثامن من تظاهرة “رمضان في المدينة 2023” سهرة مميزة، حيث ازدانت ساحة المسارح، بعرض “السامور” للمبدع جمال عبد النور، القادم من اقاصي الصحراء، مدينة دوز، بالجنوب الغربي للبلاد التونسبة. لقد قدمت الصحراء للعاصمة، بكل ما فيها من فن وجمال وعمق وحب واصالة.

والسامور هو نار ضخمة، يتم اشعالها في الصحراء للسمر حولها، استمتاعا بنورها و دفئها. تم نصب الخيمة، وتزينها بديكور بدوي أصيل، نجح المصمم فتحي بن سعيد، في جعل الاخراج السينوغرافي ممتعا للعين والذوق، وتعالى لهيب النار، وسط الساحة راقصا على اهازيج البادية، ورغم تساقط رذاذ المطر، ظل الجمهور متابعا ومتفاعلا، في سهرة الحنين للاصل.

اثثت السهرة مجموعة الشاعر خليفة الدريدي، الشاعر منير اللطيفي، الشاعر حسين الزمزمي، الشاعر محمد القايد، وكان للمراة نصيب كبير، اثبتت من خلاله الشاعرة فوزية الحرابي، أن نظم الشعر الغنائي والبدوي ليس حكرا على الرجال.

تتالت لوحات فنية راقصة، وفق تصور جمالي حملنا الى نكهات الصحراء، تدور كؤوس الشاي بكل محبة، تحمل في عصيرها، مذاق الكرم الصحراوي، ازياء تقليدية، تشع بهجة، صممتها الفنانة وفاء سالم، تحمل دلالات المحبة والهيام والجمال.

شاهدنا لوحات جامعة بين المسرح والرقص والحكاية، تسرد خبايا العشق، لوعة الفراق والغربة والهجر، ولوحات أخرى تتغنى بالجمال وتتمنى أن تحملها معها نحو الصحراء، من خلال مشاهد “الزقارة” وهو رقصة العصي القديمة، التي تصف اسطورة الصراع القبلي قديما حول الماء.

كذلك، اثتت السهرة بلوحة ادتها فتيات صغيرات، وهي لوحة “النخان” هي لوحة تستعمل فيها البنات شعورهم في الرقص، تمايلا مع ضربات الطبل. وهي لوحة معروفة، عادة، للتعرف على بنات القبيلة وجمالهن الساحر. يبدو تراثنا متصالحا مع الجمال والحرية والحب، ومنغرسا في ثقافة تسمح للمرأة بالحوار والظهور والتجلي، مثلما يبدو في احتفالاتنا القديمة، لذلك لا بد من استنكار كل رغبة في طمس هذا الارث، أو تاويله تاويلا مشوها.

يوجد في الصحراء جمالية ورفعة وايتيقا وتواصلية، يشيدها الرمز والسيمياء والعشق، واللون والفن، ويصدح بعمقها فن فريد وطريف لا بد من استثماره ثقافيا للترويج والتجديد..وحتى لا ينقطع وصل الصحراء.

** د. فوزية ضيف الله (أكاديمية ناقدة من تونس)