وظائف اللغة عند اللساني رومان جاكبسون وتطبيقاتها في المسرح العراقي المعاصر/ حيدر علي الاسدي

الانسان كائن اجتماعي يتعايش ويتواصل مع الاخرين واكتشف أهمية التواصل منذ البواكير الأولى للحياة على هذه الارض، فالإنسان بدون الاخر لا يمكن ان يتكامل ويعيش ويحقق وجوده، فإلغاء الآخر معناها الغاء انا الانسان، وبالتالي ان عملية وجود الاخر تتطلب تواصل لغوي واجتماعي فعال على الدوام، ولابد من ان ينتصف الانا والأخر علاقة موضوعية تسمى (بالرسالة) لتكمل اطراف الرسالة التواصلية (المرسل – الرسالة-المرسل اليه) ومع تقدم النظريات المعرفية والفلسفية واللغوية اصبح التواصل علم لساني يتعلق باللغة ووظائفها وتطويعها في عملية التواصل على جميع المستويات وكان ابرز المنظرين في هذا الاطار الروسي (رومان ياكوبسن) والذي ورث من عائلته الاهتمام بالعلم واظهر في سن مبكرة الاهتمام بالاداب العالمية وتأثر بالشكلانية والبنيوية اللغوية وعاصر مدارس شعرية في روسيا ومنها الرمزية والمستقبلية واسهم بكتابه الشعر ضمن الاتجاه المستقبلي، وخلال دراسته الجامعية تأثر بسوسيروهوسرل ويعد مؤسسا مشاركا في حلقة موسكو اللسانية، ويعد المنظر الحقيقي لنظرية التواصل اللغوي هي من أهم النظريات اللسانية الحديثة([1])

ان اللغة وفقا لنظرية ياكوبسن ماهي الا حاملة للأفكار والمضامين ومن ضمنها تكون عملية انتاج الدلالة التواصلية ما بين المرسل والمستقبل وبذلك تتحول السلوكيات والافعال ضمن اشتراطات اللغة وتحولاتها اذ ان التواصل في لحظة معينة ((ليس ثابتا كما يوحي بذلك نموذج ياكوبسن حول وظائف اللغة فالجملة عندهم ليست كلمات بقدر ما هي فعل لغوي وموقف إزاء واقع معين وتنقل تجارب المتكلمين والتحليل الملائم لها هو الذي يقدر على تبيان مقدار هذه الحركية التي تسهم بها عملية التواصل اللغوي))([2]) وهنا تتحقق عملية التواصلية من هذه الحمولات الدلالية التي تتضمنها اللغة فاللغة هنا تقود كل هذه الأفكار والمرجعيات بإطارها المجرد المحمل بالدلالات في بنيتها، وبالتالي لا يمكن العبور بالرسالة الى الاخر وتلقيها وفهمها الا من خلال هذا الوسيط القادر على نقل الرسالة ببنيتها وجمالياتها والتي غالبا ما لا تتعلق بالمرسلات وحسب بل بالمتلقي ومدى استيعابه لتلك الحمولات اللغوية والفكرية في هذه الرسالة، وكلما هيمن عنصرا ما تتنوع الوظائف اللغوية في عملية ارسال الرسائل المتنوعة وفقا للفعل التواصلي اذ ان ((تشكل الأفكار وتسلسلها مهمان في عملية التواصل اللغوية وعليه يجب دراسة كل فعل تواصلي لفظي على وفق وظيفته اللغوية وعليه فان هناك تنوع في الوظائف اللغوية لهذه العملية الاتصالية يتحكم فيها عنصر مهيمن لهذه العملية التواصلية وفقا لتنوع وظائفها الارسالية))([3])

لذلك اهتم جاكبسون كثيراً ((بالإبلاغية أو الظروف والشروط الموضوعية التي تكتنف ميلاد خطاب لفظي، مع صدارة المرسل في عملية التواصل ومراعاة المرسل اليه والاهتمام به اهتمامه بالمرسل، كما لم يغفل بنية الرسالة اللفظية. إلى ذلك قدّم بعض العوامل المحيطة التي تكون خارج النصّ وتؤثّر كالفضاء الزمكاني والبيئة اللغوية والمرجع. وأوضح أن البيئة اللغوية تفرض على المتخاطِبَيْن نظامها الصارم معتمدة على مسنّنات لغويّة، وتختلف الوظيفة باختلاف العامل الذي يركز عليه منتج الخطاب فتصدّر الهرمية وظيفة معينة أو أكثر))([4]) مع حضور اقل للوظائف الأخرى بالتأكيد، وهكذا بالنسبة لبقية الوظائف فكلما تصدرت وظيفة خفتت الوظائف الأخرى، وهذا يعود بالتأكيد لطبيعة المحفزات والظروف التي تحيط بمنتج (الرسالة) والعلائقية المتصلة هي الأخرى ببيئة وتلقي المرسل اليه لتلك الرسالة وما ينتج من وظائف لغوية تواصلية في كل هذه العملية الاتصالية بينهما، وهذه المهيمنات هي من نوعت الوظائف الدلالية لذا ارجع ياكوبسن الوظائف الدلالية الى ست وظائف خاصة بها : واولها الوظيفة الانفعالية والتي تقدم انفعالات وانطباعا ظاهريا عن المرسل فهي ((تنزع الى تقديم انطباع عن انفعال معين صادقا او خادعا))([5]) لذلك تسمى بالانفعالية، وغالبا ما نرى تلك الانفعالات متجلية في شخصية المرسل والمنتج (للنص) والتي تظهر خلال مفرداته وجمله حزمة من الانفعالات والانطباعات التي ما ان تقرأها او تعيد انتاجها حتى تتجلى لديك واضحة في مبنى الرسالة التواصلية سواء اكانت نصاً او عمليا فنيا اخراً، وتتجلى هذه الوظيفة في العمل الفني بصفته حاملاً لمفاهيم الاندماج وسيكولوجية التأثير العاطفي في مبنى الرسائل الفنية والمسرحية التي يبثها المؤلف او حتى مخرج العمل المسرحي، وغالبا ما تتضمن انفعالات عاطفية واقعية من صميم الواقع المجتمعي وتظهر هنا الشخصيات مشكلة عاطفة انفعالية واضحة من رسم الخطاب ورسم الشخصية المسرحية التي يقدمها مؤلف او مخرج العمل مما يكسب تعاطفا اكثر مع ذلك الخطاب من قبل المتلقي، والوظيفة التعبيرية هنا بتركيزها على المرسل فانها تنزع الى التعبير عن عواطف هذا المرسل ومواقفه إزاء الموضوع الذي يعبر عنه ويتجلى ذلك في طريقة النطق او أدوات التعبير التي تفيد الانفعال كالتاوه والتعجب وصيحات الاستنفار او الاستنكار والاعتراض([6])

اما الوظيفة المرجعية وهي التي تفرض أنظمة ثقافية واجتماعية تكون ذات مسلمات واحدة ما بين (المرسل) (المستقبل) المرسل اليه ، اذ تعد ((الوظيفة المرجعية قاعدة لكل اتصال وانها تحدد العلاقة بين الرسالة والموضوع الذي تميل اليه))([7]). والوظيفة الافهامية هي وظيفة ابلاغية والتي تحاكي ذكاء المتلقي وانتاجه للخطاب من اجل فهمه واستيعابه، اما الوظيفة الانتباهية فهي تعمل على اثارة وتحريض المتلقي على الانتباه في محاولة لقرع جرس انذار مهم يدق ناقوسه في ذهن المتلقي من اجل الانتباه لشيء ما، واما الوظيفة الشعرية أي الرسالة هنا تكون مكتفية بذاتها وتتطابق مع هدفها وتبرز هذه الوظيفة أحيانا في النصوص الشعرية، وأخيرا الوظيفة الميتالسانية وهي تعبر الى ابعد من اللغة باحثة عن لغة الإشارات والايقونات.

ويمتاز الفن المسرحي بانه يحمل دلالات اتصالية متعددة على طرفي المعادلة احدهما يتعلق بتأليف النص المسرحي والأخر يتعلق بموضوع تجسيد هذا النص الى عرض عياني، وبالتالي فان هناك مرسل اول (المؤلف / للنص ) وهناك مرسل اخر مخرج العرض ورسالته الاتصالية اكثر شمولية من رسالة المؤلف الأول ( كاتب النص المسرحي)، لذا فان ((الرسالة الاتصالية في هذه الحالة تقوم على المشاهدة العيانية للمنجز الإبداعي وان أي تعديل لمفردات هذا النص المسرحي العياني في اثناء العرض قادرة على إعطاء رسائل ودلالات أخرى مغايرة لدلالات نفس النص الادبي للمسرحية))([8])

لذا سيقوم الكاتب ووفقا لما تقدم من وظائف اللغة لدى رومان ياكبسون بتطبيق عملي لمدى اشتغال تلك الوظائف الاتصالية في المجال المسرحي ونستعرض بعض الأمثلة التطبيقية على مدى انعكاس تلك الوظائف في المسرح بوصفه يمتلك مميزات سمعبصرية واضحة في بنائه الفني والجمالي ، مما يكون الأكثر استجابة لعملية التواصل المنتج ما بين منتج العمل الفني والرسالة الفنية ومتلقيها من الجمهور وهو الامر الذي يؤكد اقتراب علم اللغة من الفن المسرحي مدى انعكاس وتمثل تلك الوظائف التواصلية في اللغة في المسرح بوصفه يملك كل مقولات انتاج الرسالة ودلائلها ووظائفها اللغوية.

مفهوم التواصل في النص المسرحي وإنتاج الرسالة وفقا لخطاطة عملية التواصل :

المرسل =كاتب النص المسرحي

الرسالة = النص المسرحي المؤلف

المرسل اليه = قارئ النص المسرحي

اما العملية التواصلية في العمل المسرحي كخطاب مسرحي وعرض عياني فيكون كالاتي:

المرسل=مخرج نص العرض

الرسالة =العرض المسرحي بما يضم من سينوغرافية وأداء ونص ورؤية اخراجية وفضاء مسرحي ودلالات فكرية متنوعة.

المرسل اليه = الجمهور الركحي (النظارة)

ان اقتراب الوظائف الاتصالية اللغوية من ياكوبسن الى فن المسرحي تدعونا للإشارة الى تطبيقات تلك المقاربات ما بين عوالم وبنى اللغة وعوالم الخطاب المسرحي ،وهذا جزء من عملية الانفتاح مابعد الحداثوية بين المعارف والاجناس الأدبية والفنون والتداخل الكبير الحاصل بينهما لم تعد هناك حدود تقعد لجنس ما او نوع خالص، بل ان الأنواع تعبر بعضها على بعض، اذا ان الوظائف الدلالية ((موجودة في المسرح مثلما هي موجودة في باقي أنواع الفنون الأخرى))([9]).

الوظيفة الانفعالية :

ممكن التماس الوظيفة الانفعالية في تجارب المخرج المسرحي العراقي (مهند هادي) وضمن مسرحيات (حظر تجوال ) و(في قلب الحدث) و(كامب) اذ استطاع المخرج والمؤلف في الوقت ذاته (مهند هادي) من توظيف وقائع حظر التجوال الليلي والسيارة المفخخة وموضوعات الهجرة في عروضه المسرحية، فهو استلهم تلك المواقف والشخصيات والصور من الواقع وتاثر بها لانه كان احد المواطنين الذين عانوا من كل تلك الويلات والعثرات وحاول إيصال تلك المشاعر والانفعالات هذه المشاعر الى المتلقي،  فهو تطرق لشخصيات القاع البروليتارلي الذي يندرج ضمنهم (صباغ أحذية) (غاسل سيارات)(بائع جرائد)(مدمن)(أرملة) ومثل هذه الشخصيات تحمل بين طياتها الكثير من الانفعالات التي يقدمها منتج العمل المسرحي، ويحقق من خلالها اندماجا واضحاً مع مصائر تلك الشخصيات المستلهمة من واقعنا العراقي المعاش وما تمثله الضغوطات النفسية والمجتمعية على مثل تلك الشخصيات المشحونة بالقهر والتعسف والضغط السيكولوجي على مصائرها، وذلك يتجسد بالحوارات الواقعية التي قدمتها الشخصيات والتي تظهر جليا الطابع الانفعالي والعاطفي في حياة شخصياته المسرحية والصراع النفسي الذي تعيشه تلك الشخصيات في ظل الضغوطات الكبيرة التي تواجههم.

الوظيفة الانتباهية :

يسعى المخرج العراقي (ماجد (ماجد درندش) من تقديم معالجة اخراجية يؤكد من خلالها الطابع الشكلي في عرضه المسرحي ( ثمانية شهود من بلادي) اذ ينطلق من الموقف البطولي والشخصيات الدرامية عبر (الوثيقة) بوصفها شاهدا على الحدث الواقعي في بناء العرض المسرحي والامر ذاته في عرض مسرحية (أساطير من بلادي) والذي كان في كلاهما مؤلفا ومخرجا، فهو عبر انتقالاته بدلالات مكانية زمكانية يصيغ  بنية عرضه المسرحي ويوصل فكرته الى المتلقي، معززاً ذلك بالانتقالات التي يحدثها للمشاهد وبنائها في مسرحية ( ثمانية شهود من بلادي) فهو يستدعي شخصيات قد استشهدوا في أماكن وازمنة مختلفة ولكن من اجل هدف واحد وحسب، ويوظف بذلك خطوط الحركات للممثلين على خشبة المسرح، بما ينسجم مع الإيقاع العام الذي رسمه درندش لعمله المسرحي، فهو حاول صياغة شكل فني خارجي يوصل رسالته الاتصالية الى الجمهور الذي تفاعل مع هذا الحدث المسرحي بوصفه يمثل شعوراً عاماً مر على كل العراقيين وهو استشهاد قادة من الجيش العراقي على يدي الإرهاب الجبان، مما يحصل تواصل فعال مع شكل الرسالة الخارجي ووظيفتها الانتباهية التي تتحقق حين الاتصال مع الجمهور فالعرض المسرحي تضمن لغة خطابية متواصلة حاولت ان تبقي المتفرج بحالة من اليقظة والانتباه والمشاركة بدلا من الاندماج، ان تركيب المشاهد التي وظفها المخرج بوصفها جرت في ازمان متنوعة ومختلفة انما ابقى المتفرج بحالة يقظة لما سيجري في المستقبل فنيا داخل فضاء العرض المسرحي، والبحث عن الرسالة التي حاول المخرج ايصالها الى المتلقي، ليبقى المتلقي بتواصل مع  هذه الاحداث المتنوعة في العمل المسرحي، فالعمل المسرحي حاول إيصال مفهوم واضح بدلالة متعددة عن ما جرى ويجري على الانسان من ويلات جراء الإرهاب والقتل والتدمير واثر ذلك على مصائر الانسان العراقي، وهذا ما يجعل المتلقي ينتظر هذه الرسالة بترقب ليجمع تلك الدلالات المكونة بهذه المشاهد والتشكيلات وصولاً الى تحقيق الانتباه لدى الملتقي للرسالة التي أراد ماجد درندش ايصالها.

لا يتوفر وصف.

الوظيفة الميتا مسرحية الطقسية :

استطاع المخرج العراقي (انس عبدالصمد) في معالجاته الاخراجية ان ينتج عملا مسرحيا له القدرة على إيصال المضمون الفكر بحالة من التشفير تعكس الحالات النفسية لشخوصه في محاولة لتفكيك النص المسرحي او الفكرة المسرحية وتحويلها الى شفرات دلالية اشارية تعبر عن فلسفة الوجود الإنساني وعذاباته بلغة الإشارة والطقسية والتكوينات الجسدية الايقونية، فهو يؤسس لعرض قائم على التشكيلات الصورية العيانية، وفقا لبناء تشكيلي عياني، في محاولة البحث عن حقيقة وجود الانسان المتصلة بجذوره الأولى من طقوس واحتفالات تمثله ارتباطه الميتافيزيقي بأفكار المثل العليا والابتعاد عن المحسوسات، وهو الامر الذي يبعد عروض انس عبد الصمد من الواقعية واقترابه من الرسائل المشفرة، وهذا يتضح في عروضه ( نعم غودو) الذي عرض عام 2021 في مهرجان العراق المسرحي الاول يصوّر أنس عبد الصمد في عمله المسرحي مدينة عراقية دمّرتها الحرب، وطيرا في قفص ومعطفا معلّقا قرب صورة للكاتب صمويل بيكيت مؤلف مسرحية (بانتظار غودو) ويخلو العرض المسرحي من الكلام، بل يعتمد على الإيماء للحديث عن العنف الذي ينتاب العراق منذ سقوط النظام السابق، والامر ذاته ينطبق على تجربة المخرج في عرض (توبيخ) الذي يتخلى عن النص من خلاله ويستبدله بجسد الممثل وما يخزنه من دلالات وشفرات تصنع قيمة جمالية وتعبيرية وسط صياغات صورية غرائبية يقدمها المخرج.

لا يتوفر وصف.وممكن تلمس هذه الوظيفة كذلك في تجربة المخرج العراقي (الدكتور ماهر الكتيباني) من خلال اعماله ( هيت لك ) (هسهات) (هلو …سات) (خدملك)، فهو يوظف ما يسمى التشكيل الحركي القصير اللا توقع ، من خلال الاعتماد على التشكيلات الجسدية ودلالتها لدى ممثليه والاعتماد على المفردات الديكورية التي تتسق مع التشكيل الحركي لممثلي عروض الكتيباني ، مع لغة تلغرافية واحيانا بحوارات لا تتعدى الكلمات المعدودة.

الوظيفة السياسية :

مسرحية (آني أُمُّك يا شاكر) وهي مسرحية أفكار، كتبها الكاتب والمخرج العراقي (يوسف العاني) متأثِّراً بـــ(أُمْ) مكسيم غوركي يُقتل ابنها شاكر على يد المحتلين الإنجليز، ويوضح من خلال هذا النص قوة الشعور الوطني عند هذه المراة وانتبها وجارتها ، في عملية تحد واضح للنظام الذي يحتل بلدهم، وهو ليس لتشخيص المشكلات وحسب بل هو أفكار ودلالات تقدم للمتلقي ضمن نسق ثيمة المسرحية ، ويعده البعض اول عمل مسرحي باتجاه السياسي الواضح في مسرحنا العراقي. وكذلك تنطبق هذه الوظيفة على عروض المخرج العراقي (غانم حميد) ومنها مسرحيته الأخيرة (ذا هوم) فالمسرحية تتناول الارهاب كقضية عامة من خلال عائلة عراقية تتكون من زوج وزوجة وام الزوج لكنها تعاني من سطوة الارهاب التي تهدد حياتهم ومستقبله الى الحد الذي يصل ان يقف الواحد ضد الاخر لإنقاذ حياته ليحيا بسلام، فهي مسرحية تناولت الواقع السياسي العراقي وانعكاساته على الفرد وقراراته.

الوظيفة الأنثروبولوجية :

تحاول المخرجة والمؤلفة الدكتورة عواطف نعيم في مسرحيتها (سبابا بغداد) ان تسلط الضوء على قضية إنسانية تتجسد في سبي الإرهاب لنساء ايزيديات، وهي ضمن نسقها الفني متصلة بالبيئة العراقية الإنسانية المتعلقة بقضايا الاقصاء التي تعرض لها الايزيدين في العراق بعد دخول تنظيم داعش الارهابي ولكن المسمى مستدعى من النساء المسبيات عام 61 للهجرة بعد معركة الطف وما تعنيه طقوس وفكرة سبي النساء في الذاكرة الانثروبولوجية العراقية والدينية، حاولت نعيم من اختراق عوالم المراة الداخلية والارهاصات التي تعانيها جراء سلبها حريتها وكرامتها، وركزت المخرجة على الاحاسيس والمشاعر المترسخة في ذات النساء المحطمات جراء السبي الإرهابي وما يمكن ان يتركه من اثر على نفسيتهن بعد ذلك.

كما يحاول المخرج العراقي ( كاظم النصار) في عرضه المسرحي (مطر صيف) من تأليف علي عبد النبي الزيدي، ان ينطلق من الحياة الاجتماعية، وتقديم دلالات تبين غربة ومحنة الانسان مع الانتظار ومع الوحدة والعزلة، الذي عانته الزوجة بانتظار (سلبي) لقدوم زوجها، اذ تناول العرض المسرحي حكاية سيدة تركها زوجها منذ ثلاثين عاما لاسباب مجهولة، الامر الذي وضع الزوجة في حالة يأس كبير مما يضطرها ان تطلب استنساخ زوجها، وبعد توافد المستنسخين اليها عاد زوجها الحقيقي لكن بدت الحيرة في مسألة التمييز بين ما من هو الحقيقي ومن هو المستنسخ مما يجبرها على اجراء اختبارات جاء من ضمنها سرد بعض الذكريات لاكتشاف من هو الزوج الحقيقي من المزيف، فالمسرحية هنا طرحت علامات متقابلة واحيانا متناقضة في محاولة معرفة الماهية الحقيقية لوجود الزوج في ذهنية المراة المنتظرة وفقا لسياق ارجاعي (يتطلب البحث عن ادق تفاصيل الذكريات) التي عاشاها معا، ففقد الصلة باقرب المقربين لك تحملك عذابات وخوف وقلق وغربة داخل وطنك ومنزلك وهو ما عاشته المراة طيلة فترة الانتظار وحتى مجيء الزوج المزيف او حتى الأصلي.

الوظيفة الشعرية:

مسرحية (حفلة الماس) للشاعر العراقي (خزعل الماجدي) وإخراج المخرج العراقي صلاح القصب والذي يعمل على إعادة قراءة النص الشعري ليغادره بمعادل صوري وانشاء فضاء صوري بدلاً من الكلمات الشعرية المكتوبة ، ومحاولة رسم تشكيل حركي غير نمطي لتحريك تلك الدلات الشعرية لتتحول الشعرية هنا من فضاء تاثيث النص الى فضاء الخشبة المؤثث من الممثلين والتشكيلات الميزانسينية والرؤية الاخراجية القائمة على انتاج الصور بوصف الممثل شفرة من شفرات تكوين نص العرض المسرحي لدى صلاح القصب  للخروج من فضاء السطوة اللغوية الى شعرية الفضاء المسرحي عبر تكويناته وتأثيثاته  الجمالية الطقسية ، وهذا ما يتمثل في العرض المسرحي ( حفلة الماس) الذي قدم عام 1984 وتمثيل ازادوهي صاموئيل ومقداد عبد الرضا وهيثم عبدالرزاق واقبال نعيم واخرين ، والذي يبدأ بدقائه الأولى بحركات تتلاحم بها أجساد الممثلين مع المفردات الديكوريةوالالات الموسيقية بدون أي حوار او حوارات تلغرافية قصيرة جداً ، ليخلق المخرج هنا لغة بصرية تثري فضاء المشهد بالشعرية، فالمخرج وفقا للدلالة الشعرية يحاول ان يخلق رموزا وعلامات مشكلة لتحقيق تواصلية لرسالته المسرحية ومنجزه الفكري ، فكل ما موجود في فضاء العرض المسرحي من حركة ممثلين وموسيقى وديكور وازياء تسعى الى كسب العرض المسرحي بعداً دلالياً وتمنح المتلقي قراءة جديدة لهذه العلامات ودلاتها، وممكن من خلال ما تقدم يتأكد لنا إمكانية تطبيق الوظائف التي أشار لها ياكوبسن على الفن المسرحي سواء اكان كنص مسرحي او عرض عياني على الخشبة ، ولا يفوتني في نهاية المقال ان اشير الى هذا المقال كتب بالإفادة من أفكار وتنظيرات استاذي الدكتور عبدالكريم عبود المبارك ، وكذلك من الأفكار التي طرحها الدكتور اسعد عبدالرضا حسين في كتابه (تعددية الوظائف الدلالية في العرض المسرحي العراقي)

الإحــالات:

[1]: رومان جاكبسون ، قضايا الشعرية ، ترجمة : محمد الولي ومبارك حنون ،ط1، (المغرب: دار توبقال للنشر،1988)،ص6.

[2] خليفة بوجادي،في اللسانيات التداولية : مقاربة بين التداولية والشعر دراسة تطبيقية ،(الجزائر: بيت الحكمة للنشر والتوزيع ، 2012)،ص61.

[3]د.اسعدعبدالرضا حسين ، تعددية الوظائف الدلالية في العرض المسرحي العراقي،ط1،(البصرة: دار الفنون والاداب، 2019)،ص49.

[4] الطاهر بن حسين بو مزبر،”التواصل اللساني والشعريّة: مقاربة تحليلية لنظرية رومان جاكبسون،( بيروت: الدار العربية للعلوم، . 2007)،ص17.

[5]رومان ياكوبسن ، مصدر سابق، ص92.

[6]ينظر:عبد السلام المسدي ، الاسلوبية والاسلوب ، ط3،(طرابلس : الدار العربية للكتاب ،ب ت )،ص158.

[7]بير جيرو، علم الإشارة السيمولوجية، ترجمة: منذر عياشي، (بيروت:دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر،1992)،ص3.

[8]د.اسعدعبدالرضا حسين ، تعددية الوظائف الدلالية في العرض المسرحي العراقي،ط1،(البصرة: دار الفنون والاداب، 2019)،ص29.

[9]د.اسعد عبد الرضا حسين، مصدر سابق، ص62.

 

** حيدر علي الاسدي ( ناقد واكاديمي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت