فلسفة العمى –رؤية بصرية مخاتلة..قراءة في العرض المسرحي “عالم سيئ” للمؤلف والمخرج (علي العبادي)/ عقيل هاشم

المسرح فعل إنساني مُتجدّد وفن لا يتوانى عن خدمة القضايا الإنسانية العادلة التي تؤسس للمجتمعات المتحضرة رغم اختلاف الفكر والتصور، والمسرحي سفر في ثنايا الذات بأفراحها وأتراحها وشؤونها وشجونها كل ذلك نحتا للقيمة وتأصيلا للكيان.. وهذا ما جعل المسرح فنا خالدا لا ينحني أمام أي قوة ولا تكبّله القيود, اذن المسرح يعمل على رفع الذائقة الاجتماعية ويرفع أفرادها إلى مستوى قيم وجمال, ينير العقول ويهذّب الأذواق ويغذي الأرواح. المسرح هذا الفن الجامع المتكامل أنه تأسيس حسي جمالي لعالم إنساني متناقض وجوديا.

لا يتوفر وصف.

المؤلف/ المخرج (علي العبادي)

 

العالم منقسم بل الاسود والابيض بل هو حوار دائم بين البصر والبصيرة في عالم سيء من التكالب والتوحش والطغيان واستعباد الآخر, لاسيما ان وجود المسرح أثرا مؤثرا في الكينونة البشرية، يدافع عن حق الإنسان على اختلاف الونه في الوجود والتمتع بشغف بما في الحياة من رقي الأحاسيس ونبل المشاعر ومنابع الحسن والجمال.

العرض المسرحي “عالم سيء” لمؤلفه ومخرجه (علي العبادي) حيث تتجسد فيه المأساة الإنسانية بكل أبعادها العميقة لمفهوم فلسفة (العمى), العرض المسرحي يكشف عن أشكال الاستلاب والاغتراب التي تشذ بالفرد عن جوهره الحر، وتزج به في متاهات تحجب عنه رؤية الحقائق. ولعله أراد بذلك المؤلف أن يبين مدى استفحال أساليب العنف وفي الحياة المعاصرة التي تتخذ من الديمقراطية والحداثة قناعًا تتستر به عن آلياتها التدجينية.

الفنان (علي العبادي) هذا الفنان الذي رسم طريقه في خدمة المسرح والدراما حتى اصبح مشروعه الحياتي والتي حفرت اعماله في الذاكرة وفي المشهد الفني والثقافي العراقي، ان يقدم عملا مسرحيا اشكاليا تضمن لغة شعرية، إضافة للكثير من الرمزية والدلالات التي أخذت المتلقين إلى الإحساس بعنوان المسرحية “عالم سيء”.

لا يتوفر وصف.

حيث تقدم هذه المسرحية قالبا مبتكرا ويعد أحد أهم التجارب المسرحية التي يعمل على أخراجها (علي العبادي) خلال السنوات الماضية، حيث استطاع أن يمزج في هذا العرض بين بساطة المكان وكانه –حلبة مصارعة- مازجا مابين التفاعل الجماهيري لتحفيز المتفرجين من أماكنهم، ليضع الجمهور في داخل الحدث، وبالذات عندما يلامس بمضمونه التناقض بين ما المسموع والمرئي وما يحدث فعلا أمام أعينهم.وبين ردود افعال هذا الصراع بين البصر والبصيرة.

أن المسرحية “عالم سيء” تتميز بنائها السيكولوجي، سعى من خلالها الكاتب لتبيّن الكيفية الاشكالية بين البصر والبصيرة التي تولد بها هذه النظم وتكبر وتتمركز، مستخدما رمزية العمى ليُعبِّر عن هذه النظم. ولهذه الرمزية اختار (علي العبادي) عمى مختلفا غير اعتيادي، عمى “البصيرة” فلو كان العمى عمى اعتياديا لصعب على مخيلة القارئ أن يسقطه على معنى أكبر من العمى المادي للعينين، لعمى جماهيري يؤثر على المجتمع ككل، لكنه اراد مامعنى وجود البصر في عالم رمادي معتم.

لا يتوفر وصف.

في هذا السياق يعلّق “بطل العمل” بأن هذا -العمى – “يقودنا إلى حقيقة يصعب تجاهلها ألا وهي هشاشة للادراك لاسيما ونحن في نظام اجتماعي قائم على التكالب والاقصاء وإمكانية استبدال نقيضه به في أي لحظة، في هذا الضباب القاتل –العمى- تتضاءل الإنسانية ولأن العمى لم يكن يختار، بعد ان تحول العالم إلى ديستوبيا، وفي هذا الدرك الأدنى يسيطر الحيوان على إنسانيتنا ليمارس غرائزه.

هكذا كانت مفاهيم (علي العبادي) الرمزية التي تتسع تفسيراتها وتتشعّب التأويلات عنها، فالعمى يعرّينا حين نعجز عن كل شيء ويبقى لكل امرئ حقيقته دون تصنّع، لقد أمسكت هذه الملحمة الفنتازية بتلابيب الواقع، ووصفت بلغة مجردة أمورا معينة يسهل رصدها بمجرد أن نهجر العمى، فندلف -رغم تشوّش الأوصاف- عبر البصيرة إلى فهم هذه الفلسفة وتفكيك رموز الحكاية.

ومن الجدير بالإشارة أن العمل كتب خصيصاً لكفيف يعيش صراعاً مع الواقع، متمنياً أن يعود له البصر، لكنه يواجه رفضاً قاطعاً لأن “العالم سيئ”. وهو من تأليف وإخراج علي العبادي، وتمثيل – طلبة قسم الفنون المسرحية في معهد الفنون الجميلة في كربلاء – عمار رميّض ومقتدى علي، ومساعد المخرج سامر فاضل، والإدارة المسرحية مؤتمن رسول، والإعلام والعلاقات حسن كريم وأحمد رحيم.

لا يتوفر وصف.

وختاما اقول أن العرض الذي قام به شباب المعهد كان مختلفًا عن كل الأعمال السابقة، حيث أن هذا العرض يتطلب دورًا كبيرًا من الحركة والتنقل على خشبة المسرح لاسيما ان البطل فاقد للبصر فعلا -لا يرى، وأن التحضير لهذا الدور كان من الصعوبة في انجازه فنيا, نعم كان التدريب تدريبا متواصلا، تضمن التعامل مع النص من حيث التدريبات الجسدية، زاد من عمق الماساة التي اتضحت بالعزلة بعد فراق بصره منه ورفض الرجوع اليه. العمى والذي يعيش فيه بطل العرض جعله يصارع ذاته ودون هواده ثم الاستسلام . وتميز العرض بجمال المعزوفات الموسيقية التي تنقلت من مشهد إلى أخر، جعل من العرض لوحة متكاملة بنسبة كبيرة جدا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت