حوار في الجماليات المسرحية بين شكير والعلاج/ عيسى محسن علي

حاول الكاتب المغربي ( عبد المجيد شكير ) في كتابه “الجماليات المسرحية – التطور التاريخي والتصورات النظرية” دراسة المنجز الفني المسرحي العالمي منذ نشأته عن طريق دراسة المنطلقات الجمالية والفلسفية  التي تشكل عوامل نجاح الفن المسرحي لان الاستاطيقيا درس يهتم بتحليل المنجز المسرحي من خلال المدخل الفلسفي ومحاولة تحليل هذا المنجز الفني المسرحي على وفق المنطلقات الفلسفية والجمالية التي حاولت التنظير لهذا المنجز، لذلك حاول المؤلف ان يتناول الجماليات المسرحية في ثلاث مستويات مبتعداً في ذلك عن التناول التاريخي بوصفه سجل للأحداث، فكانت دراسته قريبةً من التناول الجمالي والفلسفي للمنجز الابداعي المسرحي، فعلي المستوى الاول بدراسة الجماليات المسرحية عن طريق جذورها التاريخية ( الاغريق، الرومان، مسرح القرون الوسطى .. ). اما المستوى الثاني فقد عني بدراسة المذاهب والاتجاهات المسرحية (الكلاسيكية، الرومانسية، الرمزية، التعبيرية … ) وما هي الاختلافات بين كل مذهب، لان لكل مذهب منطلق فكري فلسفي ينطلق من روح العصر ومن الثقافة التي تميز كل عصر عن الاخر، والمسرح يأخذ على عاتقه تحويل هذا الفكر المجرد الى فكر محسوس عن طريق العرض المسرحي، اما المستوى الثالث فقد عني بدراسة الاجناس المسرحية كالكوميديا والتراجيديا والميلودراما، من خلال المحركات الفلسفية التي تنعكس على لغتها التعبيرية، كما اهتم بدراسة الجماليات المسرحية في المسرح الشرقي ومنطلقاته الفلسفية، وسعى المؤلف الى دراسة جماليات المسرح العربي وفيما اذا كان لها منطلقات فلسفية ام كانت جمالياتها واقعة تحت آسار التقليد؛ وقد حاول (شكير) تعريف الجماليات المسرحية منطلقاً من عدة تعريفات، منها تعريف (باتريس بافيس) الذي عرفها اي الجماليات المسرحية : بانها ملامسة داخلية للظاهرة المسرحية ( نص – عرض )، اما ( ماري كلود ) فقد توصلت الى ان التطور الجمالي في المسرح الغربي كان محكوماً بثلاث انماط معمارية، الاول الذي رافق جماليات المسرح الاغريقي وهو عبارة عن مدرجات دائرية، والثاني ظهر عندما تم توحيد حلبة اللعب بمكان الجمهور، اما الثالث فهو مسرح العلبة الايطالي؛ فقد تميزت الكوميديا الاغريقية بوصفها تقوم على البناء المرمز، بتصوير الاراذل والاشرار من الطبقة الدنيا من المجتمع، اما في العصر الروماني فقد عمل (سينكا) على انتاج الاساطير الاغريقية وضمنها الكثير من الانفعالات، وفي فرنسا قام ( بيير كورنيه ) بخرق مبدأ الاحتمال في مسرحية (السيد)، اذ كان هذا المبدأ عنصراً مهماً من جماليات الكلاسيكية الجديدة، اما (مولير) ففي مسرحياته الكوميدية حول الاسلوب الكلاسيكي الى لعب عفوي تلقائي بسيط ، كما ان من اهم الجماليات التي اضافها (شكسبير) هي كسر الوحدات الثلاثة، فقد اتسمت الجماليات المسرحية الغربية الحديثة بالثورة والتمرد على الجماليات القديمة، وحتى على مستوى الاخراج فقد كان للمخرجين ابتكارات جمالية وطروحات تؤكد تجاوز المعمار المسرحي الكلاسيكي ( العلبة الايطالي ) فقد قام ( آبيا ) بالخروج على هذا الشكل المسرحي الثابت عبر استغلال الفضاء المسرحي والاضاءة، اما ( كوردن كريج ) فقد دعا الى الاقتصاد في الديكور واحل الفراغ بديلاً عنه وجرب الرقص والحركة الصامتة لتخليص المسرح من الكلمات الثقيلة، اما ( انطوان ارتو ) فقد دعى الى العودة الى البدائية والبحث عن الميتافيزيقيا والاسطورة والطقوسية والسحر، وطرح جماليات مشروعه المسرحي ( مسرح القسوة )، كما تأسست الجماليات المسرحية البريشتية عندما بدأت الثورة على المسرح الارسطي ومن ثم انتقلت الى التعليمية ثم المزاوجة بين مبادئ الماركسية والجمالية الصينية، اما الجماليات والمنطلقات الفلسفية لمسرح العبث فقد انطلقت من قاعدة فكرية تقوم على لامعقولية الحياة وعدميتها وعبث العيش، وقد كان من اهم جمالياتها هو الاشتغال على الكوميديا السوداء اذا عدت الضحك احساساً مريراً بالخوف من الوجود والحياة؛ اما على مستوى الجماليات الفلسفية للمسرح الشرقي فقد حاول (شكير) التعرض الى جماليات هذا المسرح عن طريق دراسة فن (الكاتاكالي) الهندي بوصفه جمالية مسرحية تقوم على الطقسية تعتمد على الاسطورة ورمزية الجسد والاشارات اليدوية للممثل، كذلك مسرح (النووالكابوكي) الياباني فقد كان يعتمد بشكل كبير على الموروث الشعبي والرقصات والحركات المعبرة فقد كانت جماليات هذا المسرح الرافد لبعض المخرجين الغربيين، اما مسرح (اوبرا بكين ) فقد سعى الى التعبير عن جوهر وروح الواقع بوساطة التعبير الرمزي الذي يعبر عن جوهر الفعل .

ويقول (شكير) مثلما كان لزاماً علينا دراسة الفن المسرحي العالمي دراسة جمالية فلسفية و مرجعياته الفلسفية والتطبيقية، كان لابد من دراسة واكتشاف جماليات المسرح العربي وما اذا كانت لها مرجعيات فلسفية ام كانت تسير في خضم التقليد، فكانت اهم اشكالية شغلت المختصين في الفن المسرحي العربي هي هاجس البحث عن صيغة مسرحية تعبر عن هوية المسرح العربي والجماليات المسرحية العربية، فقد دعا ( يوسف ادريس ) الى العودة الى الموروث الشعبي العربي المتمثل بـ (الارجوز وخيال الظل والسامر)، في محاولة منه لتأسيس جمالية مسرحية عربية من خلال نظرية ( التمسرح)، اما (توفيق الحكيم) ففي كتابه “قالبنا المسرحي” دعا الى ان يكون هناك مسرح عربي مستقل في قبالة المسرح الغربي، كما ان ( علي الراعي ) عمل على تطوير الجماليات المسرحية العربية من خلال الدعوة الى الارتجال في المسرح بوصفه شكلاً مسرحيا يميز المسرح العربي، في كتابه “الكوميديا المرتجلة في المسرح المصري”، اما ( سعد الله ونوس ) فقد دعا الى تسيس الظاهرة المسرحية في اطار ما اسماه ( مسرح التسيس )، وهو مسرح يقوم على التوفيق بين التراث والسياسة ومشاكل المجتمع ، كما ان ( عز الدين المدني ) دعا الى اعادة خلق التراث العربي ابداعياً وفنياً من خلال (المسرح التراثي)، اما ( الطيب الصديقي ) فقد حاول التجديد فقد وظف التراث من خلال الحكاية الشعبية والاشكال الاحتفالية واستغلال المادة التاريخية ومحاولة استنطاقها، اما من اهم الجماليات المسرحية على مستوى المسرح العراقي هي مسرح الصورة التي كانت من اهم اشتغالات ( صلاح القصب ) .

أخيراً يرى العلاك ان المؤلف حاول جاهداً دراسة الجماليات المسرحية دراسة فلسفية جمالية بعيداً عن التسجيل الوثائقي للاحداث التاريخية بلاقترب من دراسة المنجز المسرحي والمنطلقات الفلسفية والفكرية لهذا المنجز ومدى التأثير الفاعل لثقافة المجتمع ومحاولة التعبير عن تلك الثقافات التاريخية والاجتماعية في كل عصر، كما ذكر(شكير ) بعض الابتكارات والاكتشافات المسرحية على مستوى الاخراج ، لكنه لم يقف عند البعض المهم الاخر أمثال (مايرهولد ، غروتوفسكي ، بيتر بروك).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت