افكار الحداثة وتنوع عناصر العرض (مسرحية “لعنة بيضاء” أنموذجاً)/ علي جابر الطائي

يتحدد الأسلوب الإخراجي في المسرح وانتمائه الفكري في مجموعة من العروض المسرحية لأحد المخرجين والموزعة على فترة زمنية ليست قصيرة بسمات مشتركة بينها، وهو بالحصيلة أحد اشكال تمكن المخرج من أدواته الإخراجية، ويعتمد على خبرة المخرج وما تأثر به من المدارس الإخراجية العالمية، وهو تماماً ما يلاحظ بمتابعة عروض المخرج (د.محمد حسين حبيب) فمع تغيير مادة العروض من جانب النص الذي يختاره المخرج بين الأعداد عن رواية كما فعل في (آلام السيد معروف لغائب طعمة فرمان) وبين نصوص أجنبية كما في نص “الراديو لكين تسارو” وبين نص عراقي هو العرض الأخير “لعنة بيضاء لأحمد عباس” يحافظ المخرج على إيقاع عرضه المنتمي للحداثة في أفكارها وطروحاتها الداعية إلى التمسك بالأصل.

لا يتوفر وصف.

يشار أن المرجع لتحديد السلوك هو وجود المرجعيات الاجتماعية المعرفة للخير والشر، وهي ما تمنع اختلاط الأمر على الناس، وفي هذا المقام يؤيد عرض “لعنة بيضاء” فكرة أن انتشار الفساد والسرقات في مدينة لا يعني بالضرورة حالة تمثل الخير فقط لأنها كثيرة، وإنما مرجعية تحديد الصواب هي عقل الجمهور الذي صفق للمثقف عندما وقف على الجسر ضمن أحداث العرض، ولأن الحداثة برؤية المخرج تحمل في أفكارها قضية تتمثل في تحملها مسؤولية الدفاع عن الأصيل، والدعوة إلى المرجعيات الاجتماعية كحاكم على سلوكيات الأفراد كانت لعنة بيضاء محكمة لكشف خيوط الجريمة التي يراها المؤلف، ويصورها المخرج على أنها سبب انتكاس القيم والمثل العليا في المجتمع، وقد توزع أطراف القضية بين لصوص يؤدون سلوك السرقة وآخرين ساكتين عن الفاسدين ومتعاونين معهم، وفي قبال ذلك وقف المثقف كما يصوره الأدب في سردياته يصدح بخطابات لا أذان تصغي لها، ومع حركة زمن العرض تتفاقم المواقف ليتحول الصراع إلى مقايضة المثقف بين أن يشارك اللصوص أو يحرق.

لا يتوفر وصف.

كان في عناصر العرض ما يؤكد ثبات الأسلوب أيضاً فما وضع في العرض من عناصر لم يكن عبثاً، فقد أعتاد المخرج حين يؤثث المكان المسرحي أن يجعل كل شيء لغاية معروفة في الحياة العامة وفي حياة شخصياته، فلكل عنصر وظيفته في العرض مع ملاحظة أن الممثل تعامل مع بعض الأدوات بشكل يحولها به من غرضها الواقعي إلى رمزي، فسلة النفايات في عرض لعنة بيضاء لن توضع فيها النفايات كما في الواقع، وإنما استعملها الممثلون للدلالة على نفايات معنوية تثقل اللصوص من أهل المدينة كأنها الحصى، وكذلك صنع المخرج حواجز متحركة يمكن تجميعها أو إعادة توزيعها على مساحة العرض لتعطي بتلك التشكيلات دلالات مختلفة، فكان منها قفص يحجز الشخصيات وهو سجن يكبل الفاسدين نفسياً قبل أن يكون مادياً، وشكلت أيضاً سياجاً أحتجز فيه المثقف للدلالة على وجود ما يمنع اللصوص من سماع خطاباته، وفي موقف آخر كان حطباً جمع ليحرق به المثقف، وفي كل تلك التحولات الدلالية لم تفقد الحواجز أهميتها والغرض المتوقع من وجودها، وهو سمة تشير إلى الاختزال في العناصر بقدر الحاجة وهو أسلوب المخرج د. محمد حسين حبيب السائر عليه دون غلو أو تشتيت للانتباه، فقضية العرض هي ما يراد إيصالها قبل كل شيء، ويؤكد ذلك أيضاً أسلوب المخرج بارتكازه على الكلمة المنطوقة لبيان المطلب وكشف الحقيقة، ولا يغير من تلك الركيزة اللفظية إضافة رقص جسدي إلى العرض إنما كان الأساس والغالب هو الكلمة الدالة، ويضاف لذلك بقية عناصر العرض من أزياء وإضاءة وإكسسوار وموسيقى ومؤثرات والتي تعاضدت جميعها لصنع العرض.

* علي جابر الطائي.

alijaberaltai@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت