قراءة نقدية للعرض المسرحي الموسوم ب “Joyeux anniversaire “/ عثمان بنحدوا عثمان

الإنسان بطبعه ميال للحياة وملذاتها، ومن الخصائص التي يسعى الى تحقيقها خصيصة المساكنة الزوجية والمساهمة في عمارة الأرض، فقد تجد الواحد منا يخطط لفلذات أكباده قبل أن يجد أمهم حتى، دون أن يعلم مصيره ومصائرهم، ودون أن يعلم مآله بعد وهن العظم وإشتعال الرأس بالشيب.. فزنزانة الزواج ليست مفروشة بالإكليل والعوسج، وإنما هي ورد وشوك وطريق وعرة محفوفة بالعقبات والمنحدرات، فإما وإما..

فهل سيحالفك الحظ في أن تجد شريك حياة مناسب ليسلك معك هذه الطريق؟ أم سيتخلى عنك ويتركك وحيدا قبل الوصول إلى الضفة الأخرى أو يكون له السبق في الرحيل الى تلك الضفة..؟؟ كما أنه من غير المستبعد أن يتركك معلقا بأطفال تكابد معهم المسير الى أن يشتد عضدهم ويغادروا دون أن تسمع حسيسهم..؟؟؟

من خلال هذه القراءة النقدية المتواضعة عن العرض المسرحي “joyeux anniversaire” سنحاول أن نستجلي بعد النقط المشتركة بين التساؤلات أعلاه وبين مضمون العرض..
كما هو معهود العنوان سيف ذو حدود، إما أن يكون متضمنا لإسم شخصية العرض، وإما أن يوسم بعنوان يلخص قصة العرض، وتارة قد تجد عنوان المسرحية بعيدا كل البعد عن مضمونها..
joyeux anniversaire
عيد ميلاد سعيد، هي عبارة معايدة ومباركة لأي شخص أقفل سنة/عام ليدخل في عام/سنة جديدة يجابه فيها ما قُدّر له من أحداث ومواقف..هذا هو المقصود في ظاهر العبارة، لكن الفنانة فاطمة الزهراء لهويتر الموقعة لهذا العرض تأليفا وإخراجا تقصد بها الكثير والكثير حيث حملتها ما لا تطيق من أحاسيس تخالج الشخصية الرئيسية في العرض، أحاسيس عنوانها العريض؛ “الوحدة” الاغتراب..
ملخص العرض:
يحكي العرض قصة رجل مسن يعاني وحدته المشؤومة بين أربعة جدران، ويمني نفسه بالاطلاع على ذكرياته من خلال صوره الرقمية التي تجمعه بأبنائه مذ كانوا صغارا عله يشبع ذلك الشغور الذي يكتنه دواخله، وهو ذاك المسكين الذي كان يظن أن بيته سيظل عامرا بأبنائه وأحفاده وزوجته المجهول مصيرها (طلاق/موت)، وهو ذاك المسكين الذي لم ينعم بدفء العائلة ولو ليوم واحد الذي يصادف عيد ميلاده، بحيث ظل يحتفل به وحيدا لمدة أربع سنوات والخامسة هي اليوم الذي -تمت معالجته بشكل درامي داخل العرض-.. فالعرض جعلنا نعيش معه ما يلاقيه من وصب وآلام نفسية، كما جعلنا نعيش معه وحدة يوم عيد ميلاده بالتحديد، التي استقبل فيها التهنئة من طرف بنته وابنه عن طريق الهاتف معتذرين له لعدم الحضور تحت ذريعة المشاغل أو “بما عبروا على ذلك”..، لكن ظفر بكعكته التي تم إيصالها من طرف عامل التوصيل “Agent de livraison”.
بعد مرور الوقت يسمع السيد عمر طرق الباب؛ يفتح يعلم صفة الطارق وهي الطبيبة التي تتمتع بحظها من النذوب النفسية.. إذاً ما هو المرض الذي يستدعي من الطبيبة حلولها في بيت السيد عمر؟ هل من أجل تطبيبه نفسيا؟ أم الأمر يتعلق بمرض عضوي؟ هذا ما توسلنا إليه في ثنايا العرض حيث علمنا أن هذه الطبيبة جاءت لتعطي السيد عمر جرعة تجعله يغادر الى الضفة الأخرى، يقول “أنا مبغيتش نموت معذب..أنا بغيت نموت فبلاصتي مرتاح” أو كما قال، الطبيبة هاته تقدم خدمة (الموت الرحيم) مع التحفظ من هذا المسمى ووضع آلاف الأقواس لمه؛ لأنه انتحار وسيظل انتحارا وقتلا للنفس مهما تعددت أسماءه، كما أن موقف الشرع واضح في هذا الموضوع..فبعد إستفسار الطبيبة عن سبب الإقدام عن هذا الفعل تبين لها أن ملفه الطبي الذي يخول له ذلك مزور مما جعلها تتوقف عن ذلك، وبعد حديثها المسترسل معه..علمت مايعيشه من مرض داخلي الذي أقنعها بأنه أخطر من المرض العضوي كيفما كان نوعه.. بعدها شاركته عيد ميلاده.. ثم تراجعت عن قرارها فناولته جرعته تحت أنغام /أغنية/ موسيقى المغنية داليدا.. وبعد موته بلحظات تتفاجئ الطبيبة بطرقات في الباب مع ألفاظ تدل على أن الطارق هم أبناؤه..هنا تنهار الطبيبة وتنتهي أطوار القصة، لتترك للمتلقي كامل الصلاحية في نسج خيوط النهاية التي ستلاقيها مع أبنائه..
جماليات النص/العرض:
المسرحية تمتاز بجماليات متعددة لا من حيث النص الذي سنحاول أن نناقش فيه بعض النقاط مع العلم أن الأصل في القراءة تناول شقها المشهدي فقط، لكن لا ضير في تمرير بعض هذه الجماليات النصية، ثم بعدها نتطرق الى الجماليات المشهدية التي تشمل جميع مكوناتها..
#جماليات النص:
يتمتع العرض من جانبه النصي بجماليات تدخل ضمن آليات الكتابة الدرامية ونخص بالذكرة:
_آلية تهجين اللغة ويقصد بها تضمين عمل ما بلغتين أو أكثر، مثل اللغة العربية مع اللغة الإسبانية، أو الأولى مع اللغة الإنجليزية.، بحيث نص/العرض قد تضمن إزدواجية لغوية في الحوار ألا وهي الدارجة العامية المغربية واللغة الفرنسية دون الخوض في معطى الدارجة أهي لغة ام شيء آخر..
ثم في نظري أن النص/العرض قد إشتمل على _آلية أخرى ويتعلق الأمر بالنهاية المفتوحة..
#جماليات العرض -مكوناته-:
مكون السينوغرافيا فقد وضعنا المبدع والسينوغراف (السغروشني) أمام منظور يجعلنا نعي أن الفضاء حقيقي بمعنى الكلمة، إن المكان الذي يقام فيه العرض لا يخرج عن بيت السيد عمر، وتحديدا في بهو يتوسطه كرسي فخم والآخر صغير مع طاولة أصغر، ثم وسط خلف الركح توجد طاولة متوسطة الحجم قد وضعت فوقها أغراض محددة تم اختيارها بعناية فائقة، وعلى رأسها كاشف ضوئي صغير، وفي أحد الرفوق توجد مجموعة من الأقراس الموسيقية القديمة، وفوقها مباشرة آلة لقراءة هذه الاسطوانات، وأمام الباب الرئيسي للبيت توجد علبتان كرتونيتان واحدة فوق الأخرى..، أما الجانب العلوي فهي عبارة عن نوافذ يمكننا أن نكيف بعضها الى سقف البيت وأخراها على أنها مفتوحة لتلاقي عنان السماء لنستشف من خلالها حالة الطقس والزمان
استخدام خاصية المابينغ-، هنا يتوجب علينا أن نتوقف عند هذه الأكسسوارات التي تم توظيفها داخل العرض توظيفا جيدا، بحيث يمكننا القول على أن تلك العلب الكرتونية مليأة بمجموعة من الأغراض التي لا طائلة منها، أو هي أغراض تعيده الى ذلك الزمان الذي كان يجمعه بأسرته الصغيرة، ويبدو لي على أن هذا الطرح أقرب للصواب كون السيد عمر شاهد ما شاهده من صور بواسطة ال”داطاشو” وبعدها وضعه في العلبة الكرتونية..،
هناك أكسسوارات أخرى أدت وظائفها، وأقصد بذلك أن الجانب السينوغرافي لم تطاله المجانية في تأثيت الفضاء وكيف لا والمهمة قد أسندت لمبدع وحرفي يتقن تخصصه بكل حب..
مكون الإخراج:
قد تم التعامل مع هذا الجانب بشكل متقن من حيث ضبط الحركات والسكنات (الصمت) والحوارات.. أول شيء سنتكلم عنه في هذا الجانب هو الصمت الذي كان سائدا في بداية العرض مع العلم أنني لم أوفق لمشاهدت بداياته، وقد نبهني عن هذا المعطى أحد الزملاء المسرحيين وغمرني بمعلومات في هذا الباب، فهذا الصمت ليس القصد منه الإطناب والتمطيط الغير النافع، وإنما إستعمل لغاية وهي إشراك الجمهور في ذلك الجو الذي يعيش فيه السيد عمر، وذلك الملل الذي يؤلم دواخله جراء وحدته..
وقد كان إختيار المخرجة للممثلين الذين شخصوا أدوار العرض إختيارا موفقا.. ويتعلق الأمر بالفنان (أبا تراب ) الذي شخص دور السيد عمر بإتقان منقطع النظير لا من حيث الحركة والإماءات، ولا من حيث نبرة الحوارات.. كما كان للفنانة (فريدة البوعزاوي) دورها في تطور الأحداث وإبانتها عن حنكتها في الأداء..
مكون الإضاءة:
للحديث عن مكون الإضاءة لا يمكننا أن نقلل من أهميتها من حيث خدمة العرض، أو لعدم ذكرها في قراءتنا هاته، لكن مقامها كمقال السينوغرافيا..
مكون الموسيقى/الصوتيات:
هنا سنكون قد وصلنا إلى مكون الموسيقى الذي تم الإشتغال عليه لتمرير خطاب؛ المستوى الفكري والطبقة التي تنتمي إليها الشخصية الرئيسية -يعيش في أرض المهجر-، ونذكر في إطار الموسيقى الموظفة -عن الأغنية التي تم إختيارها-، وهي أغنية “سلمى يا سلامة” للمغنية داليدا فلماذا تم إختيار هذه الأغنية لهذه المغنية بالذات؟
نقول أن الاختيار كان بسبب ذلك الخيط الناظم الذي يجمع كل من السيد عمر و المغنية داليدا، والأمر يتعلق بكونهما هما الإثنين انتهت حياتهما بالانتحار* تحت ذريعة، الوحدة-انعدام السعادة. …
*كما سبق الحديث عن قضية (الموت الرحيم) بتحفظ بالغ عن هذا المسمى أقول مرة أخرى أن الانتحار يظل إنتحارا مهما تعددت أسماءه، وهو قتل للنفس بغير حق، كما أن الشرع له موقفه من ذلك. … … … … …
ّّّ الطالب المسرحي عثمان بنحدوا عثمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت