فاعلية المدرسة في ابراز موهبة الفنان عادل الجبوري/ مجيد عبد الواحد النجار

تعد المدرسة في كل نطاق العالم مكان للتربية والتعليم، فليس غريبا ان يكون الطالب فيها لا يعرف القراءة او الكتابة، او لا يعرف كيف يظهر افكارا تعشعش في رأسه منذ ولادته، فهو يتخيل الاشياء ولا يستطيع التعبير عنها، وهو يقلد الاشياء ولا يستطيع ان يحاكيها، وهنا يأتي دور المربي/المعلم الذي له خبرة في حرث مخيلة طلبته، يخرج ما بداخلها من افكار ليطورها، ويزرع فيها ما يمكن زراعته من مواد تعينه في حياته القادمة، وهو هنا ينمي ويطور كل ما يجده من مواهب وافكار لم يتمكن هذا الطالب الموهوب من ادراجها في سجل حياته اليومية.

نعم لقد كان عادل احمد محمد علي الجبور، مواليد 1948، واحدا من هؤلاء الطلبة الذين يحملون افكارا كثيرة، لكن تنقصه الحنكة والخبرة، فلا زال لا يميز الاشياء ولا يعرف كيف يسطر الحكايات، حتى دخل مدرسة الاصمعي الابتدائية، في محلة السيمر في البصرة، هنا كانت البداية وهنا بزغت نبتةٌ من راسه تلقفها الاستاذ والشاعر قاسم البدر معلم التربية العربية في الصف الخامس الابتدائي، اخذ يسقيها ويعطيها من وقته، بعيدا عن دروس اللغة العربية، كان يصحبه الى خشبة المسرح الموجودة داخل المدرسة، ويبدأ في اخراج شياطين الفن من رأسه، كان يعلمه فن التمثيل لأنه وجده موهوباً بارعاً ، قدم على خشبة مسرح المدرسة العديد من الاعمال المسرحية، والتي كانت تنطق بالفصحى والعامية، وقد عالج خلالها قضايا اجتماعية مهمة، كما طرح من خلال هذه الاعمال رغم بساطتها دروسا في الاخلاق والتعاليم الدينية والاجتماعية، وهذه كانت المرحلة الاولى للجبوري مع التمثيل الذي كان لا يعرف عنه شيئا ، سوى انه يجب عليه ان يحفظ الدور وان لا يضحك.

المرحلة الثانية كانت عندما انتقل الجبوري الى متوسطة التقدم، هنا بدا كل شيء معه يكبر، الفهم وحب المسرح ، هنا عرف انه على الطريق الذي كان لا يعرفه، هنا وجب عليه ان يعتمد على نفسه، ويبدا التحرك من اجل عملا مسرحيا، لكن المكان لم يتسع لأحلامه، لم يكن مسرحا في المدرسة كونها احد بيوت الشناشيل ذي الطابقين في محلة يحيى زكريا في البصرة، لكن الامل لم ينقطع ولأفكاربدأت تكثر، حتى انتقلت المدرسة الى بناية جديده بنيت على الطراز الحديث، وكان موقعها خلف محكمة استئناف البصرة في محلة التحسينية، حيث كانت البناية تحتوي على خشبة مسرح وقاعة كبيرة مما اتاح للجبوري وزملائه ان يقدموا اعمالا مسرحية كثيرة تحت اشراف المدرس ناصر الزبيدي، وكانت المعضلة الازلية لكل الفرق والمجاميع المسرحية، هي العنصر النسوي، حيث كانت مشكلة كبيرة في ايجاد ممثله تلعب دورا على خشبة المسرح في حينها، مما يفرض على المجموعة امرا عظيما، بان يسلموا الشخصية النسوية لاحد زملائهم الذي يجدون فيه المهارة والكفاية في ايجاد الادوار النسائية، وعلى هذا المنوال قدم الجبوري وزملائه اعمالا مسرحية عديده منها الشعبية ومنها في اللغة العربية الفصحى، طرحت هذه الاعمال القضايا المطروحة على الساحة العراقية في حينها، منها السياسية والاجتماعية، كان الشغل الشاغل لهؤلاء الشباب ان يقدموا ما يعاني منه الانسان البصري او العراقي على حد سواء.

بعد تخرجه من المتوسطة لجأ الجبوري للعمل مع الفرق المسرحية وكان اولها (جماعة البصرة للفن الحديث) عام 1965،- وقد اندمجت الجماعة فيما بعد مع فرقة (الفن الحديث) والتي كان مقرها في بغداد- وكان اول عمل له مع الفرقة مسرحية (غراب) وهي من تأليف على الاطرش واخراج قصي البصري، بعدها وفي عام 1966 قدمت الفرقة التي اصبح بها الجبوري عضوا مهما مسرحية (ايام زمان) اعداد عبد الخالق جوده واخراج قصي البصري، وفي سنة 1967 اشترك مع الفرقة في مسرحية (بنادق في القنيطرة) تأليف ياسين النصير واخراج قصي البصري، ومن تأليف قاسم حول اشترك مع الفرقة في تقديم مسرحية (المدينة المفقودة) والتي اخرجها عبد الامير السلمي، سنة 1969 بادرت الفرقة بإخراج التجربة الاولى لفن الاوبريت، حيث قدمت الاوبريت الغنائي (بيادر خير)، قصة ياسين الراوي واشعار الشاعر علي العضب ومن اخراج قصي البصري، اما الالحان فكانت للفنان حميد البصري, وفي عام 1970 اوبريت (المطرقة)، من تأليف الشاعر علي العضب، واخراج قصي البصري، اما الالحان فكانت من مهمة الفنان طالب غالي، والتوزيع الموسيقي للفنان حميد البصري. وقد توالت الاعمال المسرحية مع هذه الفرقة، وكان مجمل اعمالها للفترة من 1966 الى 1976 (10) اعمال مسرحية منها (الحواجز والمخاض والمهزلة الارضية والمؤسسة الوطنية للجنون وليالي الحصاد والمفتاح…….. )، وقد عمل الجبوري مع فنانين بصريين لهم تاريخ مشرف في المسرح العراقي منهم (توفيق البصري وقصي البصري وعبد الاله عبدالقادر وعبد الامير السلمي وطالب جبار وياسين النصير ….. واخرين).

عام 1976 انظم الجبوري مع مجموعة من الفنانين البصريين الى الفرقة القومية للتمثيل في اول تأسيسها، وقد خضعت المجموعة الى اختبارات من قبل لجنة متخصصة، بعدها تمت مشاركتهم في برنامج لتطوير قابلياتهم الفنية ومهاراتهم الجسدية، لغرض المشاركة في التجربة الاولى للفرقة في مسرحية (الشاهد والشهيد والتجربة)، والذي عرض على قاعة بهو الادارة المحلية بتاريخ 1/5/1976، وبعد نجاح المشتركين في التجربة شجع المسؤولين على القيام بالتجربة الثانية وهي مسرحية (الفرحة والحسرة في اخبار البصرة)، والتي عرضت ايضا على نفس القاعة بتاريخ 22/3/1977، حيث اعيد عرضها بعد ذلك في العاصمة بغداد بتاريخ 25/4/1977، ولما كانت هذه الفرقة تابعة لدائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة الفنون، كانت متهيئة للإنتاج اعمال مسرحية كبيرة، وذلك لوفرة الانتاج فيها، حيث قدمت الفرقة اعمال مسرحية وأوبريتات احترافية. عرضت في محافظة البصرة، ومن ثم في العاصمة بغداد، والمحافظات العراقية كافة، والتي شارك الجبوري فيها كلها، والتي اشرف على اخراج هذه الاعمال مخرجين كبار منهم (سعدون العبيدي وفتحي زين العابدين وطالب جبار وحميد صابر ومحمد وهيب ونصير عوده وقصي البصري…). كما شاركه في تمثيل الاعمال المسرح والتلفزيونية الفنانين ( جابر ميرزا ومحمد سعيد الربيعي واسعد عبد الحسين وباقر عبد الواحد وحسين زيدان وفيصل حسن ومحمد البياتي و حكيمة عباس وسميرة الكعبي وعباس الخالدي…. واخرون).

عادل الجبوري عضو نقابة الفنانين العراقيين منذ عام 1973، وعضو اتحاد الاذاعيين والتلفزيونيين العراقيين وعضو اتحاد الصحفيين، وعضو رابطة المبدعين العراقيين للفنون الجميلة، ترأس قسم المسرح للفرقة القومية البصرية لمدة خمسة سنوات، اعتبار من 2007.

بعد كل هذه الانجازات الكبيرة، التي لعب فيها عادل الجبور شخصيات مختلفة في المسرح والتلفزيون، عندما لعب ادواره امام الكامرة التي كانت ترهبه وتحفزه لما فيها من جمال ومغايرة عما يقدمه على خشبة المسرح ،فكان ممثلا بارعا عارفا بما يقوم به، فقدم اول عمل تلفزيوني له تمثيلية (البديل) تأليف عباس الرباط واخراج جبار ثامر عام 1974  مع زملائه في فرقة تلفزيون البصرة، توالت بعد ذلك اعماله في التلفزيون ليقدم (المدمن، رصيف الغضب،العربة، العودة الى الماء الصافي،ثلاثية الدرب، القمر يحمي الثوار، اللعبة، عرس الجبهة،عرس الشهيد، عشاق الفجر، رجل وامرأتان، مسلسل البديل، وفلم الجسر)، امتاز الجبوري بلعب الادوار الجادة، والحضور الكبير على خشبة المسرح او امام الكامرة لما يمتلكه من صوتا جهوريا، وقرارا عاليا، ميزه عن زملائه في كثير من ادواره المسرحية. لا زال الجبور متعلقا بكل هذه الاعمال، يعيد دائما الحديث عنها ويتذكرها، ويتذكر كل زملائه الذين عملة معه، لا يزال الجبور عالقا في الذكريات الجميلة، ولا زالت هذه الذكريات تسير معه في خلوته ومنامه فراح يطرزها على الورق وينشر كل هذه الذكريات في الصحف والمجلات، حتى تحول الى الصحافة دون شعور منه، وتحول الى راوي يروى الذكريات الجميلة ليقول للأخرين كنا هناك على المسرح نلعب ادوارا لازالت ذكرياتها متعلقة بستارة المسرح وخلف الكواليس، لازال الجبور يتنقل بين خشبات المسرح معلما وناصحا للشباب وهم يقدمون اعمالهم المسرحية، يمنحهم من خبرته لـ (80) عملا فنيا، ما بين المسرح والتلفزيون والسينما، ويعلمهم الحب والتفاني في العمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت