فرقة شكسبير الملكية للكاتب السويدي روني بلوم/ ترجمة وإعداد : د.فاضل الجاف

تنويه: هذا المقال مستلّ من كتاب مسرح لندن للكاتب السويدي روني بلوم المتخصص بمسارح لندن، قمت بترجمة ثلاثة فصول من الكتاب حول المسرح الملكي وفرقة شكسبير الملكية والمسرح الموسيقى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
عندما عرضت فرقة شكسبير الملكية ” مسرحية حلم ليلة منتصف الصيف”  إخراج بيتر بروك عام 1970 أعتبر العرض نقطة تحوّل هامة في تأريخ فرقة شكسبير الملكية. في هذا العرض التجريبي  حطّم بروك كل التقاليد المتعارف عليها في تقديم أعمال شكسبير. …
فلأول مرة اصبحت شخصيات شكسبير تخاطب الجمهور مباشرة، من خلال الاداء الجسدي للممثلين الذين أفلحوا في خلق جسور العلاقة مع المتفرجين.
كانت السينوغرافيا في حلم ليلة منتصف الصيف عبارة عن صندوق مكعب ابيض اللون وبابين في الخلفية  بدلا عن الغابة والأجواء الرومانسية المألوفة في طرق المعالجة التقليدية لإخراج المسرحية.
اختار بروك أن يكون العشاق اناسا عاديين ومضحكين ممن نألفهم في حياتنا اليومية. فالجمهور  فوجئ بشخصيتي تتيانا وأوبيرون وهما يلعبان دوريهما على المراجيج البهلوانية حاملين على العصى أواني دوّارة، مثلهم كمثل لاعبي السيرك. مثل هذه الوسيلة وغيرها من الوسائل المستوحاة من تقاليد كوميديا ديل آرتي  سحّر الجمهور الذي لم يتعود على تلقي المفاجآت التجريبية الخارجة على النمط السائد في التعامل مع المسرحية، وأين؟ على المسرح الملكي في سترافورد مسقط رأس شكسبير.
وعلى الصعيد العالمي حققت فرقة شكسبير الملكية سمعة كبيرة بفضل عرض مسرحية حلم ليلة منتصف الصيف.
في برودواي احس الجمهور بالتواجد الفعلى في عالم شكسبير،  وفي نفس الوقت كان يندهش لمفاجآت بيتر بروك الأخراجية. ففي عرض للمسرحية على مسرح ( بيلي روز) ببرودواي، حدث ان انقطع التيار الكهربائي اثناء عرض المسرحية وعم المسرح دخان كثيف، ظن الجمهور في البداية ان الحادث ما هو الا جزء من المشهد المسرحي، ألا انهم رفضوا أن يبرحوا مقاعدهم حتي عندما أدركوا حقيقة الأمر، لئلا يفوتهم شئ من عرض المسرحية.
والحقيقة ان نجاح مسرحية حلم ليلة منتصف الصيف لم تكن مفاجأة لفرقة شكسبير الملكية. فالثورة التجريبية التي تحققت فيها لم تكن وليدة المصادفة، إنما كانت إمتدادا لتجارب عميقة وجهود مضنية من البحث والاستقصاء في  جوهر فن التمثيل وطبيعته، بدأها بيتر بروك منذ الستينات مع مجموعة شابة من ممثلي فرقة شكسبير الملكية.
كان بروك متأثرا بأفكار انتونين آرتو وكروتوفسكي . وكان اسلوبه يعتمد فن الإرتجال والإبتكار بشكل مركز وعنيف يشترك فية الممثلون والجمهور على شكل طقس وصولا الى نتائج مماثلة لمسرح القسوة. *
فرقة شكسبير الملكية في عهد بيتر هول
عندما أسّس بيتر هول فرقة المسرح الملكي عام 1960 لم يكن ذلك طارئا. فالفرق المسرحية كانت تتشّكل بالعشرات وكان معظم أعضاؤها يلتفون حول ممثل معروف كنجم الفرقة أوكوسيلة تجارية لكسب الجمهور. ولكن بيتر هول الذي امتلك الجرأة الكافية لتأسيس فريق منسجم قوي متحديا بذلك نظام النجومية والاعتبارات التجارية السائدة. وكان بيتر هول أيضا جريئا بما فيه الكفاية ليضمن الدعم المالي المطلوب من الدولة لكي تتهيأ الفرقة للعمل وفق أسس فنية بحتة دون الإضطرار الى تقديم أعمال تجارية.
وإنطلاقا من هذا المبدأ الفني فقد رفض بيتر هول النجاح التجاري السريع الذي كان البعض يعتبرها خطوةعملية لتمويل الأعمال الجادة فيما بعد.
كل هذا كان أمرا جديدا على المسرح البريطاني، فالفرق المسرحية كانت تموّل نفسها بنفسها دون تلقي الدعم من الدولة. ويرى الكثيرون أن بيتر هول بمطالبته الدعم المالي لفرقة شكسبير الملكية مهّد الطريق لتشكيل المسرح القومي، ويكون بذلك المبادرالأول  لخلق المسارح المؤسساتية في بريطانيا.
الملك لير في برنامج فرقة شكسبير الملكية
أرسى بيتر هول دعائم فرقة المسرح الملكي من خلال إخراجه جملة من الأعمال الفنية الهامة في تأريخ الفرفة. بينما يرى النقاد ان البداية الفعلية للفرقة تبدا في الحقيقة بإخراج بيتر بروك مسرحية الملك لير لشكسبير عام 1962. حتى في ذلك الحين، أي قبل ثماني سنوات من إخراجه مسرحية حلم ليلة منتصف الصيف، كان بروك يسعى إلى إشراك الجمهور في العرض المسرحي  في صالة مضاءة طوال الوقت. أما المشهد المسرحي فقد كان بسيطا خاليا من قطع الديكور، مؤلفا من ثلاث صفائح معدنية مستطيلة الشكل، معلقة في الهواء وهي ترمز الى سلطة الرجال الثلاث.
في ظل هذه الصفائح المعدنية كان الممثلون يعبرون عن إنفعالاتهم وردود أفعالهم تحت ضربات المطر والرياح العاتية بحركات جسدية عنيفة وفي أسمال جلدية رثة.
أحتوى مسرح الأولدفيك على الأعمال الأولى لفرقة مسرح شكسبير الملكية في لندن منذ عام 1962 بينما مقرالفرقة الرئيسي كان ولا يزال في سترافورد. منذ البداية تمّ القرار على أن تتمتع مسرحيات شكسبير بالمكانة الأولى في برنامج الفرقة. على أن تنطوي البرامج في الأولدفيك على أعمال كلاسيكية أخرى الى جانب المسرحيات الحديثة.
برنامج الفرقة بين سترافورد ولندن
أما العروض الناجحة في سترافورد فقد قررت الفرقة نقلها الى لندن بعد أن يتم عرضها في سترافورد. والحقيقة أن هذا البرنامج بلغ ذروة النجاح عامي 63 و64 في ظل إدارة بيتر هول للفرقة.
ففي الذكرى الاربعمائة لميلاد شكسبير عرضت الفرقة في  سترافورد معظم مسرحيات شكسبير التأريخية بدءاً من ريتشادر الثاني،  والجزء الأول والثاني من هنري الرابع، وهنري الخامسن وإنتهاء بمسرحية ريتشارد الثالث.
وقد تمّ تقديم مسرحيات هنري بعنوان حرب الأزهار في إعداد جديد بعنوان “حرب الازهار” وفي تعليق لبيتر هول حول بساطة العروض جاء: ان تأريخ إنكلترا الدموي في العصور الوسطى أخرج لرجل الشارع.
كان تقديم هذه المجموعة من الأعمال التأريخية لشكسبير بمثابة فاتحة جديدة لبيترهول، لمخاطبة جمهور مسرحي جديد. فهو يرى ان المسرح يجب ان يستفز المتفرج ويدفعه إلى التساؤل، ويرى أيضا انه لا يمكن ان نقدم شكسبير بصورة حية ان لم نضطلع بالماضي ونكون حساسين  لما يحدث حولنا في الوقت الحالي.
جاءت المعالجة الإخراجية لمسرحية ” حرب الزهور” بشكل خاص وفق المنهج البريختي، بعيدة جدا عن الأسلوب التقليدي  في المسرحيات التأريخية. فلم يكن بوسع الجمهور رؤية الأبطال والجند المدججين بالسلاح، بل  أناس عاديين يحاربون بأسلحة حقيقية معبرين عن الخوف والغضب والرعب. وبعبارة أخرى ان المسرحية عكست بدلا عن حياة الأبطال الأقوياء حياة الناس العائدين من ساحة الحرب بملابس دامية متسخة، وهم يروون للجمهور المتعطش للإستماع إليهم قصصا مفزعة عن ويلات الحرب.
مسرح لجمهور جديد
مع مسرحية “هاملت” بدأت فرقة شكسبير الملكية محاولتها الجادة لخلق جمهور مسرحي خاص بها، جمهور ينتمي الى الجيل الجديد. وتمثلت الخطوة الأولى عام 1976 في قيام بيترهول بإنشاء نادي خاص ضمّ أربعين ألف عضوٍ معظمهم من الشبيبة. وفي هذه المرحلة بالذات بدأ إقبال الجمهورعلى إنتاجات الفرقة يزداد يوما بعد يوم. وكانت عملية نقلهم من لندن والمدن الأخرى الى سترادفورد يتَم بواسطة حافلات النقل. وفي نفس الوقت قامت الفرقة بإصدار مجلة مسرحية بإسم فلورش تتناول عروض الفرقة بلغة بسيطة.
ومع إستمرار الفرقة في تقديم إنتاجاتها كان حجم الجمهور ينمو بشكل ملحوظ. أما الجيل القديم فقد أصبح يعتاد الأسلوب الجديد في طرح أعمال شكسبير بإسلوب فني مبسَط وسهل.
وبدأ الجمهور شيئا فشئيا يطالب بتقديم نصوص جديدة. وكانت مسرحية “أمريكا”  عام 1966 المعّدة بشكل جماعي حول القضية الفيتنامية قد أثارت حفيظة مسؤول الرقابة اللورد تشمبرلن الذي عزم على منع المسرحية على الرغم من  إحتجاج شديد من قبل بيتر بروك ، وبعد  إجراء بعض التعديلات على نص المسرحية، سمحت للفرقة بعرضها.
في المرحلة الأولى من وجودها في الأولدفيك ضمّ ريبيرتوار الفرقة الى جانب أعمال شكسبير أعمالا لكتاب من امثال: دورينمات وبنتر وبريخت وبيكت وآرابال وإبسن وسترندبرغ وألبي ستوبارد. ويذكر أن مسرحيات بنتر نالت حظا كبيرا لدى بيتر هول حتى أصبح كاتبا منتدبا في الفرقة.
تريفور نن وفرقة شكسبير الملكية
عندما استلم المخرج الشاب ترفور نن البالغ من العمر ثمانية وعشرون عاما إدارة الفرقه عام 1968، إستلم بذلك طاقما مسرحيا عرف بالقدرة الفنية العالية في الأداء والحماسة المتأججة للعمل والمران. وكان تريفور نن الذي مضى على بدئه بالعمل الفني في الفرقة ثلاث سنوات فقط، مفعما بالحيوية ومتحمسا للمضي في طريق سلفه ومشجعه بيتر هول.
في هذه المرحلة من تأريخ الفرقة وبالتحديد في نهاية الستينات كان حجم جمهور الفرقة وصل الى مليون شخص داخل بريطانيا. أما عالميا فإن الفرقة حازت على ما لايقل عن خمسين شهادة شرف وتقدير.
كانت إدارة الفرقة مهمة عسيرة للمخرج الشاب تريفورنن. وكانت خطته الفنية تفرض على الممثلين قراءة ودراسة شكسبير دراسة عميقة وبعيون متفحصة بعيدا عن التأثر بالأراء التقليدية والأفكار المسبقة في فهم أعمال الكاتب. كل ذلك بهدف ترجمته  مسرحيات الكاتب وتفسيرها بما يتناسب وروح عصرنا الحالي.
فقد كان بروك قد فجّر بإخراجه مسرحية “حلم ليلة منتصف الصيف” وعيا مسرحيا جديدا لجيل من المخرجين العاملين في الفرقة، حيث اكتشفوا آفاقا رحبة من التجريب والتجديد في أدب شكسبير. حتى ان شكسبير  اصبح  يطرح كمؤلف مسرحي معاصر من قبل مخرجي الفرقة من أمثال جون بارتون وميخائيل بوغدانوف وتيري هاندس وكليفورد وليامز وتريفور نن.
لكن حاجة الجمهور المسرحي الجديد لمشاهدة مسرحيات حديثة إلى جانب مسرحيات شكسبير قد نمت أكثر وأكثر، الأمر الذي دفع بالفرقة إلى تخصيص مسرح آخر للأدب الحديث عام 1974 وهو ما يسمى بالمكان الآخر.
والمكان الآخر هو فضاء مفتوح يناسب الأعمال التجريبية بالدرجة الأولى حيث تنظّم فيه المقاعد بشكل دائري حول الفضاء المسرحي وتبعا لمتطلبات العرض المسرحي.
وفي عام 1977 اسست الفرقة مسرحا آخر لها في لندن تحت اسم ” ذي وير هاوس” لتقديم أعمال شكسبير وأعمال الكتاب المعاصرين بإسلوب تجريبي لجمهور لندن.
مسرحية كوريولانوس لوليم شكسبير
بين أهم عروض الفرقة في أواخر السبعينات تقف مسرحية كوريولانوس من إخراج تيري هاندس كعمل فني شامخ جذب إهتمام الجمهور المسرحي ليس في بريطانيا فحسب بل في معظم الأقطار الأوربية.
في ربيع عام 1979 بدات فرقة شكسبيرالملكية أطول جولة فنية لها،عرضت خلالها “كوريولانوس” في باريس وميونيخ وزيوريخ وفيينا وأمستردام وبروكسل وهامبورغ وبرلين.
وفي كل هذه المدن أستقبلت الفرقة بحماس منقطع النظير. في باريس مثلا صفّق الجمهور بحماس منقطع النظير مدة عشر دقائق متواصلة. وفي برلين بلغ عدد الواقفين في الصفوف للحصول على التذاكرخمسمائة شخص لم يحصلوا على التذاكر. مما أدى الى مشاجرة عنيفة بالأيدي.
لم يحذف المخرج تيري هانس شيئا من نص المسرحية رغم طول العرض. وقد أستفاد من خبرة الممثلين في الإرتجال والإبتكار والتعبير الجسدي للكشف عن المعاني والقيَم الفكرية في النص الشكسبيري وربط تلك المعاني والقيَم  بمجرى الحياة اليومية والأحداث الراهنة.
إن قصة المقاتل كوريولانوس- العائد من ساحة الوغى والذي يأبى أن ينزع ملابسه خشية أن يرى الناس جراحه، و يؤدي ذلك إلى عدم إختياره زعيما للشعب- قد قدمت مرارا على المسرح وبرؤى مختلفة تبعا لفكرة المخرج. وقد صور كوريولانوس أحيانا كعسكري فاشيّ وأحيانا كبطل وطني، لكن المخرج تيري هانس ركز على إظهار صفات النبل والشهامة والفطنة في شخصية كوريولانوس.
ولعل عرضاً سريعاً لأهم الإنتاجات التي تشَكل نقاط الإنعطاف في تأريخ فرقة مسرح شكسبير الملكية يعطينا فكرة واضحة عن تطوَر الفرقة ومسيرتها الرائدة في ميادين التجديد والتجريب.
ترويضة النمر لشكسبير، إخراج ميخائيل بوغدانوف
منذ اعماله الأولى في الفرقة كشف بوغدانوف عن ولعه في التعامل مع أجواء شكسبير وشخصياته تعاملا حديثا.
ففي إخراجه مسرحية “ترويصة النمر”  استخدم بوغدانوف ملابس عصرية في أجواء ومناخات من الحياة اليومية بما في ذلك استخدام الدرّاجات النارية على المسرح.
مضى بوغدانوف  في تفسير مسرحيات شكسبير تفسيرا عصريا ليس من خلال نقل حبكة المسرحية جغرافيا الى المدن الأوربية. فلدى إخراجه مسرحية “روميو وجولييت”  عام 1976 نقل بوغدانوف أحداث المسرحية الى مدينة نابولي الايطالية، حيث جسّد صراع العائلتين آل كابوليت وآل مونتاغو، كصراع بين عصابات المافيا الإيطالية.
في روميو وجولييت كرر بوغدانوف إستخدام الدراجات النارية  والعجلات لتصوير أجواء المافيا الإيطالية في جو مفعم بالحركة والمصادمات العنيفة بين المجاميع المتصارعة.
كوميديا الأخطاء لشكبير، إخراج تريفور نن
أما المخرج تريفور نن فقد سلك طريقا مختلفا تماما عن زملأئه المخرجين في إخراجه مسرحية ” كوميديا الأخطاء” عام 1977. حيث استخدم إضافات  موسيقية ومقاطع أدبية الى النص الشكسبيري، بالإضافة الى لوحات الرقص والكاباريه. وكأن المخرج يتساءل: لم لا نحول مسرحية شكسبير إلى مسرحية من نمط السرحيات الموسيقية!
بعد إنتقال المخرج تريفور نن من فرقة مسرح شكسبير الملكية ليتسلم إدارة المسرح القومي، استلم المخرج أدريان نوبل إدراة الفرقة.
ويعد نوبل واحدا من أغزر المخرجين البريطانيين. وهو ذو مخيلة واسعة قادرة على خلق عوالم شعرية وموسيقية على الخشبة، ولعل مسرحية حلم ليلة منتصف الصيف، أجمل أعماله الإخراجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت