دلالات النص المسرحي ورغبة التجريب في مسرحية (منطقة حرجة) لعلي العبادي / حيدر جمعة العابدي.
مسرحية (( منطقة حرجة )) لعلي العبادي التي قدمها بطريقته المميزة والمستوحى من عربة قطار قد تعطل منذ سنوات عدة في احدى المناطق النائية ويعيش فيها زوجين يحاولان فيما بعد الخلاص من هذه العربة لشعورهم برتابة الزمن داخلها و عدم جدوى الحياة، وهو ما يتعمد علي لعبادي في تفجيره داخل شخصياته المسرحية وكسر الحاجز بين الممثل والمتلقي واقترابه من ما يشعر به من انسانيته المغيبة نسبيا بفعل الصراعات البشرية ورغبتها المتزايدة للعنف والاقصاء لكل من يحاول صنع اشكال إنسانية وجمالية .
تبدا المسرحية بشخصيتين، رجل وامرأة يعيشان في عربة قديمة هاربان من قسوة الواقع، لكن وبفعل التكرار الممل من اليومي والسائد يحاولان استعادة حياتهما خارج العربة، لذا كان سعيهم ولهفتهم الجنونية للمغادرة تدفعهم للتخيلات وهلوسات جنونية لكسر هذه الرتابة، لكن تنتهي هذه المحاولات بلا جدوى .
الزوج: لم يتبق سوى خمس دقائق.
الزوجة: يوميا نقول لم يتبقَ من الوقت الا القليل، وتجدنا أكثر الناس هدرا للوقت.
هنا نجد ان الاكتفاء بشخصيتين جعل الاعتماد الأول على التوسع في نطاق اثراء الحوار كونه يولد نوعا من الطاقة النفسية والتعبيرية شديدة المرونة والتي تسهم بدورها في خلق واحداث فضاء التجريب المسرحي الحديث على الرغم ان هذا الأسلوب يقوم على حساب باقي اركان المسرحية بل ويهمشها نسبيا، لكن رغبت الكاتب في إيصال صوته وتجربته دفعته للاشتغال على فعل الصدمة والادهاش في كسر افق التوقع للمشاهد وهو يتضح من عتبة النص الأولى (منطقة حرجة ) التي تحمل بداخلها حقل دلالي واسع يرمز لثنائيات متعددة مثل، الحياة و الموت، المكان المفتوح والمغلق، الرغبة وعدم الرغبة، لكن يظل الوقت هو مركز هيمنتها او الزمن الذي يرسم خط سيرها المتعرج وكثير الانحناءات والتحولات الوجودية لطبيعة بشريتنا الفانية وهو ما نعكس على شخصيات المسرحية خط سير زمنها داخل النص فكل هم الشخصية منصب على جمع ما تناثر من الملابس وبأسرع وقت ممكن داخل الحقيبة التي تؤشر في اللاوعي الجمعي كلحظة تحول جديدة للزمن لكنها سرعان ما تعود لنفس مكانها وكأننا داخل زمن دائري مغلق على شخوصه لا يملكون سوى هدر الزمن الضائع في التفاصيل اليومية والمكررة وهو ما يمثل تيمة المسرحية وعمودها الفقري الذي تستند عليه باقي اجزاءها .
الزوج : الوقت .
الزوجة : هو لا يتحرك جاثم على صدورنا منذ سنوات عدة، ولماذا لايفكر بنا ألسنا بالمقام الجيد ؟
الزوج : دائما تطرحين أسئلة لا أجوبة لها … رجاء ضعي الملابس وكل هذه الأشياء المتناثرة هنا وهناك في الحقيبة بصمت .
كما نجد صورة لهدر الزمن تتكرر في اغلب مشاهد المسرحية ذات المشهد الواحد
الزوجة 🙁 تسرع في حزم أغراضها) أنا اجمع هذه الأغراض بسرعة الاترى ؟
الزوج : اخشى أن أكون قد نسيت شيأ.
الزوجة: أي شيء نسيته ، وانت لم تضع هذه الأغراض جميعها في حقيبتك.
الزوج : اشعر أن ثمة شيء نسيته .
أن اعتماد الكاتب على وعي دائري مغلق لا خلاص منه هو ما يعكس قصدية الكاتب من واقعه المعاش والموقف منه ومن محركاته ومهيمناته التي كانت وما زالت تعيش ضمن وعي تاريخي مغلق على كل من يعيش داخله وعي يقتل الحياة بل ويجعلها مكررة صورة واحدة .
الزوجة : التكرار مزعج حد اللعنة، ونحن لا عمل لنا سوى إحصاء هذه التكرارات.
الزوج: تكرارارات استفزازية .
الزوجة : مرعبة ومؤلمة .
الزوج : هل يشعر المرء بمتعة في هذا التكرار المرير .
تستمر صورة التكرار لتشكل كل شي الزمن الحقيبة الشخصيات الإضاءة خلفية المسرح والحوار وكأننا اما زمن واحد وصورة واحدة ولغة قد أصابها التخشب والموت مجرد صورة فلكلورية قديمة في معرض للصور لتكون خاتمة المسرحية متسقة مع مقدماتها و زمن شخوصها المغلق على احلامهم المغيبة كصورة مسرحية مترابطة مع واقعها .
الزوج 🙁 بعصبية ) لا لا لا ، قال: إن الحياة ستتوقف وان لم نخرج في غضون خمسة عشر دقيقة .
الزوجة : (تغضب) ماذا تقول ؟ … ماذا تقول .
الزوج : سنموت … سنموت .
الزوجة : يا لهذا الهراء الموجع الذي يقظ مضاجعنا ، نحن الذين لا نحلم سوى أن نكون خارج اسوار هذا الجحيم الحارق ؟
اذن لا خلاص نحن نكرر نسخ قبلنا وننسخها في كل شيء حتى تجاربنا الخاصة ظلت كما هي بلا جديد
كمشهد أخير تكتمل الصورة بشكل أوضح بعد صراع للخلاص لم يتحقق .
الزوج يجيب عن كل الأسئلة في اخر مشهد للمسرحية .
الزوج : (يومئ لها بيديه على عدم معرفته بذلك)
( يذهب الزوج الى احد جدران العربة يجلس القرفصاء تحته متكأ عليه ، الزوجة تتجه كذالك للجدار المقابل له وهي تجلس القرفصاء تحته متكئة عليه ، احدهم ينظر الى الاخر ، وكل منهم ينكس راسه).