لملك لير بلا تاج ولا عرش ولا صولجان بين كهفٍ باردٍ.. وموقد تلهب فيه النيران/د. عبد الكريم سلمان

مسرحية: لير يحاكم القدر
تأليف وإخراج: منير راضي
تمثيل: جاسم محمد/ أحمد محمد صالح/ زمن العبيدي/ اسراء ياسين/ هاجر عماد
مكان العرض: بغداد – مسرح الرشيد
زمن العرض: 5-6-7/ كانون الأول/ 2024
“لير: أيها الرب أني الآن أبحث عن هدنة وأنت من تقرر”
***********************
يعود الكاتب (منير راضي) القارئ والمفسر لخفايا وكواليس الكاتب الانكَليزي (وليم شكسبير) بعد أن أثبت براءة ماكبث في عملهِ السابق (أنا مكبث) نجده اليوم يطالعنا بنصٍ آخر جديد عن (الملك لير) إحدى مآسي (شكسبير).
دوّن المؤلف والمخرج منير راضي نصه الجديد (لير يحاكم القدر) من حيث انتهى شكسبير وانتهت مملكة لير وأصبحت في ذاكرة النسيان وانتقل كل من فيها الى العالم الآخر حيث كتب شكسبير نصهُ (الملك لير) بين عامي (1603- 1606) وكان حينها أول عرض لهذا العمل يعود منير راضي الآن ليدوّن نص جديد من حيث انتهى شكسبير.
في نص (لير يحاكم القدر) يستحضر المؤلف المخرج شخصيات (الملك لير) وبناته الثلاث والقدر (الظل).
ان مفهوم الصراع أساسي في تطور الحدث الى النهاية المحتومة، والبطل أساسي في الصراع في المأساة اليونانية القديمة يصارع قوى خارجة عن إرادته ولا أمل لهُ في التغلب عليها، ويغلب القدر حتى يسقط صريعاً..”.(1)
وهذا النوع من الصراع والنهايات المأساوية المحتومة هي كذلك موجودة في نصوص شكسبير وإن تغيرت النهايات حيث تكون قوى الشر في كتابات (العصر الاليزابيثي) هم شخصيات من الوسط البشري والصراع سلطوي بحت وليس إلاهي أو قدري أو من قوى خارجه عن إرادة الإنسان.
في مسرح شكسبير مع تنوع القوى التي يحاربها البطل.. إلا أنها تتمثل في الأبناء المعاقين في الملك لير أو الخارجين عن قوانين الطبيعة ونظام الشرعية المفسدين في الأرض… علماً أن المسرح الاليزابيثي كان يغذيه رافدان، المسرح الكلاسيكي القديم والمسرح الشعبي والديني والموروث عن العصور الوسطى. (2)
الكاتب والمخرج منير راضي اخترق النصوص الشكسبيرية وهو متسلح بدراية واسعة من القراءات والخلاصات المتداخلة في سلوكيات وصراعات الطبقات الحاكمة في مآسي شكسبير وما عاد يقتنع بإعادة تدوير وإنتاج ذات النصوص بأشكال عدة. حيث أنه أخذ على عاتقه كتابه نصوص مغايرة ومشاكسة وكاشفة الغطاء عن خفايا وكواليس المدونات الشكسبيرية.
“.. وفي رؤى تولستوي في رواية (الحرب والسلام) فضلاً عن ارتباط النص الشكسبيري بالثورة والتقاليد الكلاسيكية الارسطية وذلك عبر قراءة (الروائي ستندل) وهو يفاضل بين (راسين وشكسبير) كما كتب (فكتور هيجو) أن عبقرية شكسبير تتجلى في كسر عمود أرسطو”.(3)
وهكذا ليس ببعيد عن فكر وتطوير الفن المسرحي نصاً وعرضاً في أسلبة الضغط والتكثيف في النصوص العالمية بعد تلك القرون التي لم تزل تعارض حتى اليوم.. فكما فعل شكسبير مع الكلاسيكيات اليونانية يعمل الكتاب ومسرحيون في الوقت الحاضر في إظهار ما لم يتناوله كتاب العصر الاليزابيثي.. وكما يفعل (الكاتب المخرج) (منير راضي) فصار يكتب ماذا بعد نص لير ومكبث في محاولة لاحالة الأسباب التي كان يلجا اليها شكسبير في وقته الى ما آلت اليه النهايات في زمنه زمن الأقدار والساحرات.. وما غيرها من الأفكار في عصر أوربا قبل مئات السنين.. اليوم أصبح بالإماكن أن يوظف منير راضي 3- 4 شخصيات للكشف عما بعد نهايات النصوص الكلاسيكية الارسطية والتبشيرية وحتى في بعض الأمكنة في مسارح اليوم أن يكون النص الجديد شخصية واحدة (مونودراما) تتحدث عن ملحمة أو مأساة تقدمها مجموعة من الشخصيات التي تتجاوز في بعض الروايات العالمية الى 15-20 شخصية تتناول رواية الحكاية ومنها نص مسرحية الملك مولير.
وهذا التطور الحاصل في النص المسرحي ضغطاً وتكثيفاً لم يقتصر على التدوين (كتابة نص جديد) فحسب وانما هنالك تطور موازي في التقنيات وأساليب الإنتاج المسرحي وتطورها بجانب التقدم التكنولوجي والعلمي المستخدم في إظهار تلك النصوص على خشبة المسرح أو من خلال مواد فلمية أو رقمية يستخدمها المخرج الحديث من مبدأ التزاوج بين السينما والمسرح والإذاعة (الصوت) والموسيقى الحية ويأتي هذا التطور من خلال اشتغالات المخرج المفكر أو الجماعة التي يقودها ذلك العقل الدارس والعارف بمتطلبات الوقت والمكان ويراعي مشاعر التلقي في عصر جديد عصر الذكاء الاصطناعي.
وهذا الاجراء لم يحدث من الآن أو قبل سنين إنما هو تعامل جرى عليه فنانون عالميون مما يقارب من نصف قرن ولم يزل يتطور وعلى أيادي فنانين تتوالد أفكارهم من أجل ان يكون فعلاً المسرح هو أبا الفنون.. وليس فن النص والالقاء.. انما هو نص تشترك فيه معظم الفنون الملحقة باسم الفن.
ومنذ أن أزيحت القوة المهيمنة في العمل المسرحي والمتمثلة بسلطة المؤلف “أصبح المخرج المسرحي المعاصر هو القوة الخلاقة المسيطرة على المسرح اليوم، لم يعد مجرد منظم وإنما فنان يحكم بحقه الشخصي بوصفه مبدعاً، فبعد أن كانت مساهمة المخرج تعادل مساهمة المؤلف أصبحت في ظل مفهوم مسرح المخرج الذي تخطى مفهوم مسرح المؤلف ومؤلف (النجم) في ظل غياب النص أو نفيه كما هو الحال عند (تاديوش كانتور) (أجينيوا باربا) وبعض تجارب بروك..”. (4)
وفي بحثنا اليوم في عرض مسرحية (لير يحاكم القدر) نجد أن المؤلف المخرج (منير راضي) جعل من الملك لير في موقف المحاكي المتوسل من الرب والقدر متسائلاً عما جنت يداه وقراراته اللاعقلانية والتي كانت لا تنسجم مع شخصية ملكية سوى أن نطلق عليه انه متعدد الآراء متقلب المزاج يخلط بين العاطفة البينية (العائلية) وبين قرارات الحكم باعتباره ملكاً وأراضيه مترامية الأطراف. وهذا بين عائلته لم يكن لا واقعياً ولا شرعياً ويعد نفسه هو مالك كل شيء ولهُ الحق في أن يقصي من يشاء ويعطي كل شيء لمن يشاء.
الكاتب منير راضي.. كتب لنا نصاً جديداً فكرياً محللاً لشخصية الملك لير المركبة والذي وضعه شكسبير بين الخرف والهذيان والجنون في حين كان الملك لير دكتاتوراً قاسياً حتى مع من يدير المملكة من اتباعه..
لقد حذف منير راضي مؤلفاً معظم بل جميع شخصيات شكسبير في النص الأصلي، واستعاض عنهم في نصه الجديد عن ثلاث شخصيات فقط وهم عائلة الملك وأضاف إليهم رسالة الرب (القدر) و(الظل) الذي كشف ما كان يعاني منه لير وما آلت له الأمور من قرارات لا إنسانية وغير مدروسة أدت الى تقطيع المملكة وبث الفساد والتفرقة بين أهل بيته ومن ثم ضياع المملكة.
لير وبناته فهم فقط يتناقلون الحوارات مع القدر (الظل) ذو مداخلات ولا حتى أي شخصية يذكر بالاسم او الإشارة اليها في شخصيات شكسبير في نصه الأصلي (الملك لير).
“ان شخصية (الملك لير) هي شخصية تتأرجح في اتخاذ قراراتها المصيرية دون العودة للإفادة من المستشارين حول تلك القرارات التي تبنى أحياناً على العاطفة، فسبب عدم قبول الابنة الصغرى أن تتلاعب بالألفاظ للتعبير عن حبها لأبيها الملك يتم الإقرار بنفيها بناءً على جريمة أو فعل لم تقترفه بسوء نية بل على العكس لأنها رفضت أن تتآمر على مشاعرها اتجاه أبيها الملك، وهنا يمكن لوهم التفوق أن يتمدد في سلوك (الملك لير) في اتخاذ أبرز قراراته التي ستحول المملكة الى خراب دم”.(5)
هكذا هو لير عند نص منير راضي (لير يحاكم القدر).
– لير: بناتي يا عار النساء أنتن الآن مخالب أسنة للشيطان هل أنا الآن أعدو في خطى الترتيب الإلهي واقتراب نهاية الطغيان..” (6)
المؤلف المخرج هنا يريد أن يخبرنا أن الملك لير كان يعرف قبل الانهيار والعزلة والموت كان يدري أنه كان دكتاتوراً مستبداً وكان غير منصف حتى في تقسيم المملكة على بناته.
– لير: هل أنا عجوز طاغٍ وقاسي القلب، هل أنا سوط دنس لف على رقاب الفقراء والأقربين، يستجدي وهم الحب هل سقطت الحكمة والفضيلة ونبل النفس من يدي حتى بت غريق الوهم ومخرف العقل والروح، هكذا زريّ الحال بي يا تاج الفقراء والصعاليك. (7)
الملك لير المنفي في الكهف ويراقب السنة النار في موقدها أمامه.. حتى أصبح الموقد بؤرة القلب والحرقة تشتعل في صدره يلسع لهيبها برأسه الموبوء بأفعاله إلا أنه لم يرى هنا سوى بناته والظل القدر الذي يحاكيه بأمر الرب.
” الظل: دهر مضى ونحن نهجع في مستقنع النياح، المشكلة إنني لا أعرف كيف وجدت نفسي هنا.. لا أتذكر! هل تتذكر أنت؟.(8)
ان المؤلف المخرج يستعرض على المتلقي في استهلال العرض أين المكان وأين المال الآن وكيف كان المكان وكان المال.
ان التصوير الذي عرض من خلال شاشة (الداتاشو) وكيف كانتا ابنتي الملك الكبرى والوسطى (غورنرل – ريغان) يلهيان ويلعبان ويتنقلان في رحاب المملكة أبان الرعاية الأبوية (لير) وكيف كانتا يتوددان للأب ويحذرانه من الآماكن الخطرة .
– ذلك الاستهلال الصوري الذي ترافقه حوارات لابنتي الملك كان يسقط مباشرةً على سنيوغرافيا العرض القادم الذي أسس له المؤلف المخرج.
إذن هم الثلاثة الملك (لير) والابنة الكبرى والوسطى هنا في ذات المكان الذي يلف الأب إلا شخصية الظل التي بدت هذه الشخصية المحاكي للثلاثة وكأنه يدلي عليهم اثمهم وقسوتهم بعضاً على بعض.
غورنرل: أبي، رفقاً بروحك الهامة أيها الملك.
ريغان: لطالما بحثنا شوقاً عنك بين عيدان الأكواخ.
غورنرل: نحن بناتك الحبيبات لا ينبغي لك الإفلات منا.
وهكذا.. نسمع الصوت وترى القيامة النفسية على وجهي ابنتي الملك (غورنرل + ريغان) حتى يعلنان سوية.
غرورنل + ريغان: أبي أيها الفار بجلده، أبي أيها العاق بحنان الملكة، ملك، ملك، ملك”.(9)
ومن ثم احتراق هذه الوجوه رويداً رويداً حتى يغطي الشاشة كتلة اللهب الناري ويطفئ من خلال سحب هذه قطعة الداتاشو من خارج الكهف.
بعيداً عن النص قريباً من بيئة العرض.
ان قيادة العرض يكون وفق المسؤوليات الفنية والتقنية ما يجمع بين الأزياء والاضاءة والديكور.. الخ.
كل ما يتوفر على خشبة العرض تكون تحت إشراف ورؤية المخرج.. إلا أن الاستفادة من الخبرات المتراكمة لبعض الفنيين والخبراء بالتنفيذ قد تعطي المهمة للآخرين لتوظيف الرؤية التي يبغيها المخرج.
السينوغرافيا كانت من تنفيذ الخبير الفني الذي قضى عقوداً من الزمن في دائرة السينما والمسرح والقارئ الجيد للنص والمصمم للعديد من قطع الديكور لكثير من عروض المسرح العراقي. ذاك هو الأستاذ الفنان (سهيل البياتي) فكان موفقاً في إظهار البيئة التي غطت كل أفكار النص من الكهوف ومساحة الرمل وما الى ذلك من تبعات أمكنة اشتغالات الممثلين.
وتكفل بالتوليف والتنفيذ الموسيقي ومونتاج المادة الفلمية المبدع حسين زنكنة فكان بارعاً وقريباً من أحداث العرض واختيار الموسيقى بجانب الفنان هشام عبد الرحمن.
هذا فضلاً عن وجود الأستاذ حسين علاوي والسيد مهند حسين في تنفيذ الديكور بالإضافة الى توطين الإضاءة للكشف عن البيئة المتنوعة الزاهرة بالزوايا والظل والضوء بإدارة الفنان كامل تتر.. وساعد بالاخراج جاسم محمد والإدارة المسرحية مازن لطيف.
أما لوحات الرقص للمثلتين زمن العبيدي واسراء ياسين فكان المدرب الفني الفنان مسلم علي ماري.. وآخرون كان جهدهم واضح والقائمة تطول بالمبدعين للتأليف بهذا العرض.
إظهار النص – الإخراج وحركة الشخصيات
امتاز هذا العرض (لير يحاكم القدر) بالرؤية الخيالية التي وضع السيناريو لها كاتب النص والمخرج (منير راضي) فنحن إزاء عرض تمتزج به الواقعية السحرية والرمزية العالية في أداء الممثلين. ولعبت الصورة التشكيلية الثنائية منها والفردية دوراً مهماً في التوصيل الفكري الذي يغلب عليه الطابع الإنساني في جانبيه المخطئ والمصيب.
فكانت حركة الشخصية المحورية (لير) تتمتع هذه الشخصية بالحركة الثقيلة التي تنمو عن ثقل الإثم والذنب الذي اقترفه ابان حياته (ملك وأباً لثلاث بنات) وكانت هذه الحركة والانتقال من مكان الى آخر وهو يتفقد مقاطعتي المملكة التي وهبها الى ابنتيه الكبرى والوسطى.. وهو يحاول أن يبرر لنفسه وللقدر والرب ما كان يقصد كل ذلك الخطأ وحتى انه صار يلجأ في مرات عدة عند موقد النار معاقباً ضميره ونفسه وكأنه ينزع عن فؤاده الإثم الكبير الذي جعل المملكة في فوضى ومرتع للفساد والقهر والفقر.. حتى وان ما تبقى من حياته رجل هرم في الثمانين من عمره خرف يهذي مسلوب القرار لا يحتكم على شيء مما كان يملك.
وغلبت على حركة الملك (لير) انحناء الظهر وتقوسه وهذا يعني قدر الحمل الثقيل الذي سببه من بعده الناتج عن توزيع المملكة وفقدانه الصولجان والعرش والتاج.
والشخصية الثانية في العرض (الظل) أو كما نراها هي شخصية القدر الذي يحاور الشخصيات الثلاث (لير وابنتاه) اللواتي سلبن عصا القدرة والعرش من الأب وأصبحن تبعاً لأزواجهن وملذات الحياة التي بسببها تم ضياع المملكة والرعية بين الفساد والحرب والقهر والدم والفقر والتشرد.
هذه الشخصية المركبة (الظل) كان متزن القوام يرتدي الزي الناصع الذي يرمز الى السلام والحقيقة.. والحافظ لسجلات الشخصيات وكأنه الموكل الأول من الرب الذي يلجأ اليه الملك لير وهو في قبره وكذلك الابنتان كذلك يطلبن العفو والمغفرة من الأب أن يتناسى عقوقهن وما جرى عند الحياة.
يتنقل (الظل) بين الأب (لير) وابنتي الملك وهو يصحح ويذكر لكل منهم ادعاءه وهفواتهم عندما كانوا يلهون ويسرحون ويمرحون في المملكة وحتى بعد تقسيمها كانت شخصية (الظل) واثقة من الحوارات المسنودة إليه وهو يركز بلا تردد على كل إثم أو ذنب بالصورة التي تجسد في حركات المثلتين الكبرى والوسطى بالصور والحركات الايقاعية تارةً بالرقص واللهو والاستهزاء بالأب (لير) وتارةً أخرى يتوسلن الى الأب بحركات أخرى عزائية وفي كل لوحة تقدم يرتدين الأزياء التي تنمي الى تلك الحالة (الأسود) (الأحمر) (الخمار) إلا أن كل ذلك لم يشفع لهن أمام حكمة (الظل) أو الصد والردع من الأب.
وتمكن المخرج منير راضي الى قيادة إيقاع بنات الملك لير حيث كانتا تسيران على إيقاع واحد وصوت واحد وجواب ورد للأب والظل جواب واحد بأداء تقديمي رائع والتحكم بقدرة عالية في أجسادهن أثناء الرقص أو العزاء أو الخوف من عذاب القبر.
ان المخرج الراضي منير لم يتكلف كثيراً في قيادة كتيبة العرض كونه هو المؤلف الذي وضح نصه غنياً بالسيناريوهات والتقطيعات الحوارية التي رسمت خطوط الحركة وتغير النبرة والخطوة والحركة على خشبة المسرح فهو العارف والكاتب لما يريد أن يظهر للمتلقي أين هو الآن وماذا يريد أن يقدم.
اللوحة الأخيرة في العرض كانت الخلاص من الذنوب وإعطاء كل ذي حقٍ حقه وذلك من خلال ان يقوم الملك لير برمي الحبل، حبل الخطايا لشده على أرجل (بناته الكبرى والوسطى) ويقوم بسحبهما باتجاه حفرتهما ليلقيان الحساب عقوبة لعقوقهن الأبوة وتفريطهن بالمملكة وطاعتهم لأزواجهن الفاسدين الذين جعلوا المملكة أرضاً وشعباً تتقاسمهما الأقطار والنوايا الذاتية وفعلهن بأختهن الصغيرة التي رفضت أن تأخذ نصيبها من المملكة وهي صادقة بحبها لأبيها الملك (لير).
لقد وفق الممثل الأول في شخصية الملك (لير) الفنان المبدع (جاسم محمد) فكان عارف بماهية دوره وأين يريد أن يكون وكيف يتحرك وأبدع في الأداء الصوتي والحركي وفق ما قدره المخرج.
أما الشخصية الثانية وهو الممثل (أحمد محمد صالح) فقد كان واثقاً من أداء دوره ولن يساوم أياً من الشخصيات من خلال حركته القائمة على أساس نقل القرار الإلهي باعتباره يمثل القدر فكان ذو ملامح ثابتة وقرارات صوتهِ الواضحة وتوقفه حيث أرشده المخرج.
وشخصية البنت الكبرى (زمن العبيدي) كانت تركز حسب المشاهد المناطة لها من خلال النص والمخرج فهي متمكنة من أداء دورها في كلتا الحالتين السلبية والايجابية (المركبة) والتبريرات المنطقية التي يرسمها الواقع المعاش لكل من ترتكب عقوق الوالدين.
وأخيراً وليس آخراً كانت الفنانة (اسراء ياسين) التي قدمت شخصية البنت الوسطى هي الأخرى لن تتأخر في عطاءها الحركي والأدائي لمواكبة أختها الكبرى زمن الربيعي حيث كانت في نفس واحد وايقاع واحد ثم يختلف وإن تعددت المشاهد.. فهي فنانة عرفتها في ثلاثة أو أربعة عروض مسرحية متمكنة من أداءها في عدد من الأدوار المسرحية، وكان اخرها قبل هذا العرض دورها في مسرحية أيوب التي عرضت داخل الوطن وفي العواصم العربية الأخرى وكذلك أعمال أخرى مثل (حمامات الشفاء)، إخراج: ليث الأسدي لتجمع الفرق المسرحية الأهلية .. وتبشر بحضور ممثلة قديرة ترفد المسرح العراقي في القريب العاجل.
أما آخر العنقود في سلالة الملك لير وفي تحليلنا هذا فهي الابنة الصغرى
( هاجر عماد) التي أطلت علينا في نهاية العرض ترتدي ثياب البياض الناصع الذي يمثل العفة وصدق نواياه وهي تحمل الزهور تستقبل أبيها (لير) حتى يقف لأول مرة خلال العرض أمامها منتصب القامة ومعزولاً عن الظل وجثتي الابنة الكبرى والوسطى.
هذا العرض هو الثاني الذي نتابعه للفنان المبدع منير راضي في الأول كان مؤلف (أنا مكبث). واليوم مؤلفاً ومخرجاً متمكناً من أدواته في لير يحاكم القدر.
والسلام.
المراجــــــــــــع
1/ ينظر : هملت ، شكسبير ، ت: عبد القادر القط ، الكويت ، وزارة الاعلام ، سلسلة المسرح العالمي ، ط1 ، 1971 ، ص68 .
2/ ينظر : شاكر عبد العظيم ، حسن كاظم خضير ، الخطاب الشكسبيري وتمظهراته في النص المسرحي العراقي ، بحث منشور كلية جامعة بابل للعلوم الإنسانية ، المجلد 26 ، العدد 9 ، 2018 ، ص177 .
3/ قاسم حسين الصالح ، الابداع في الفن ، العراق ، بغداد ، دار الرشيد للنشر ، ط1 ، 1981 ، ص133 .
4/ عواد علي ، الحضور المرئي في المسرح من التقليد الى ما بعد الحداثة ، سوريا ، دمشق ، دار المدى ، 2008 ، ص175 .
5/ عبلة عباس خضير التميمي ، وهم التفوق في بنية الشخصيات الشكسبيرية ( دراسة نقدية سيكولوجية) ، مسرحية الملك لير انموذجاً ، بحث منشور ، مجلة نابو للبحوث والدراسات ، المجلد الثلاثون ، العدد السابع والثلاثون ، نيسان 2022 ، ص97.
6/ منير راضي ، نص مسرحية لير يحاكم القدر المعدل ، 2024 ، ص5 .
7/ المصدر السابق ، نفس المصدر ، نفس الصفحة .
8/ منير راضي ، نص مسرحية لير يحاكم القدر المعدل ، 2024 ، ص6 .
9/ نفس المصدر السابق ، ص7 .