نص مسرحي: “المقبرة الحرام… فنتازيا الطحالب / تأليف: رؤى حازم

الشخصيات :

1: الفتاة 

2: الدفان 

3 : مجموعة من القبور 

 

((مكان مظلم قديم،  وبارد تفوح منه رائحة الموت, سكون غريب، قبور متهالكة، غامضة لا يوجد لها هوية، ولا شواهد جثث هنا وهناك بانتظار دورها في الدفن, اضاءة خافتةصفراء ))

جثة فتاة: ها هي النهاية إذن! هذا هو شكل الموت الذي حدثوني عنه كثيرا حتى في يوم ولادتي! (ترتجف وتحاول أن تحتضن نفسها بيديها) تخيلت إنني سأجد الدفء هنا! ولكن لا وجود للدفء مهما حاولت البحث عنه، الأمكنة تتشابه حتى وإن اختلفت المسميات، لا يوجد سوى البرد والقلق, ظننت أنني سأجد الطمأنينة أخيرا! ولكن أين هي! (بصوت ملؤه الآلم) الطمأنينة !! هه ! هراء لا وجود لهذه الكلمات (توجه كلامها نحو الأرض) وأنت؟؟ هلا أحتضنتني مرة واحدة قبل أن أوارى تحتك ! نعم, إنَّ شئت أضحكي لا بأس ولكن حقا إنها امنية أن أحققها  قبل أن أدفن هنا! (تنصت إلى الارض) أنت أيضا باردة ؟ مثل أبي وأمي وأخوتي, أنت باردة كجميعهم, أعطيك العذر يا عزيزتي الأرض، لكن هم ؟؟ ما عذرهم ؟

(صوت لوقع أقدام أحدهم يسحب مجرفته محدثا ضجة كبيرة )

الفتاة: (مرتعبة) من! من هنا ؟

(يقترب صوت الأقدام )

الفتاة : تفوح منه رائحة العفن , يا إلهي !! أحقا هذه نهاية أستحقها ؟

(يدخل الدفان يسحب مجرفته بغطرسه )

الدفان : مرة أخرى أيتها القبور اللعينة !!(يضحك بخبث) هي أيتها القبور قد جاء المالك الحقيقي لكم (يضع يده على أذنه كأنه يستمع لأحد) ماذا، ماذا قلت؟؟ أرفعي صوتك!! (يعتدل بوقفته) أسمعت يا مجرفتي؟! العجب العجب أحدهم هنا يحاول التكلم معي!! أيعقل هذا وأنا الملك هنا؟ (يضحك) الآن وقد جن الليل علينا، أصبحنا وحدنا يا عزيزاتي، نستطيع أن نفعل ما نشاء، نرقص، نعم نرقص، ونمرح, وأن.. (يضحك) لالا أين سرح بي الخيال؟! أسمعتيا مجرفتي الحبيبة!! هناك من يئن، لا أحد يسمع أنين الأموات سواي، لطالما حدثتها وحدثتني! (يضحك ويرقص مع مجرفته ويقبلها وكأنها أنثى) صوتها رقيق وعجيب, صوتها يوصلني إلى عالم سحري صوتها يشبه الألم، أه كم أقدس الألم!! (يضحك بأعلى صوته)

هاجس: كفَّ عن مضايقة سكان هذه الأرض .

الدفان: (بغضب) ماذا ! ماذا ! سكان هذه الأرض؟ سكان هذه الأرض ملكي أنا وحدي( يسحب مجرفته محدثا صوتها مرعبا ) 

هاجس: أيقظت أنينهم يا هذا ! دعهن يعدن إلى الأرض , دع الأرض تربت عليهن وتحتضنهن الحضن الأبدي.

الدفان : هه ! أيقظت من؟ هذه الأجساد الفانية العفنة؟؟ عار على الأرض أن تحتضن أمثالهن (يضحك) دعها إذن تستيقظ سيزداد المرح هنا، لكن في الحقيقة لا وجود هنا لأحد غيري، أتسمع صوت غيري؟ بالطبع لا، مجرفتي قد أغلقت فم جميع من حاولوا من قبل (يغمض عينيه وكأنه يستمع إلى شيء) سكون، سكون لا شيء في كوني سوى السكون وصدى حروفي المشبعة بالقبور ورائحة الجثث العفنة، رائحة نساء منبوذات (يتنهد) أه من تلك الرائحة التي أحب. (مع الجثث التي أمامه يحوم حولها) أممم, يا للروعة !! الكثير من العمل، كما يقولون العمل عبادة وها أنا جاء وقت عبادتي، وقتي لأتضرع (يكشف عن  وجوه الجثث وينظر بشغف) هنا خطيئة (ينظر إلى الوجه الآخر) وهنا خطيئة، وهنا وجه كان من المفترض أن يقوم أحدهم بوأده منذ زمن، ولكن (يضع يده على  فمه ويبتسم) ولكن لا إنها لعبتي أنا، كرة الموت في ملعبي أقصد مقبرتي أنا فقط، أنا فقط  من يستطيع أن يطهر هذه الأجساد الأثمة لا أحد غيري يطهر الدنيا من هؤلاء المنبوذات (يضع يده على الأجساد التي أمامه)  أزهار!! نعم إنها أزهار لم تسق جيدا، لقد ذبلت ويبست وآن أوان السحق لماذا!! لماذا؟؟ (يضحك) لإنها لاتستحق هذا أيضا (يقف معتدلا)  والآن من سندفن اليوم؟ فتاة أم طفلة؟! لا أعتقد أنها طفلة، ربما هذه قد تكون في الخامسة عشرة من عمرها أو السادسة عشرة، وما الفرق إن كانت طفلة أم فتاة جميعهن نساء (يضحك) من سندفن اليوم ؟ عذراء أم عذراء ؟!! لا يهم إن كانت عذراء أم عذراء كلهن عذراوات هه، المهم أن أدفنها، و… (بخبث) اممم، ماذا سأفعل معها الليلة؟ أهي بيضاء أم سمراء ؟!! يا إلهي! (يضع يده على فمه) يقشعر بدني، وكأنني سأحصل على جائزة هذه الليلة.

هاجس :  أيها الأحمق ، إنها متوفاة.

الدفان: أصمت، أصمت .

هاجس : خبيث .

الدفان: (بخبث) إنهن بلا هوية, فلا ضير بالقليل من المتعة معهن.

هاجس : نتن, قذر

الدفان : إنهن ميتات, أنا أقتص من أجسادهن الآثمة فقط، أنا أحررهن من الذنب، فقط أعاملهن على الأقل بلطافة، أحن وأعطف عليهن!! وأقوم بزجهن تحت التراب.

هاجس: تبرر لنفسك قذارتك !

الدفان : عليك أن تفهم يا هذا أنهن ملكي !

هاجس: مريض.

الدفان : أخرس، نعم عليك أن تخرس الآن، هذه مملكتي، لي أنا وحدي، أنا هنا الملك الآمر الناهي .

هاجس : سيكتشفون أمرك قريبا .

الدفان: (يضحك)  من سيكتشفني؟ من؟! (صمت..يصرخ) من أنت يا هذا ؟ من أنت ؟! من سيكتشفني؟

هاجس: أنا أنت أيها القذر!!

الدفان: إذن أنت أنا، أنا وأنت واحد لا فرق بيننا، إننا كيان واحد عليك فقط طاعتي، علينا  أن نختار، من سنختار الليلة ؟

هاجس : لا أريد بعد الآن !

الدفان : علينا فعلها، إنهن ضحايا جدد، علينا الترحيب بهن وليس هناك أفضل منا في هذا، أتعلم أيها الأحمق بين هذه الضحايا هناك ضحية مميزة!

هاجس : من ؟

الدفان : إنها تختلف عن البقية، لم تمسسها الشمس حتى، تتلألأ كاللؤلؤ ربما هي في الثانية عشرة من العمر أو ربما أصغر (يضحك) قد أستجيب لصلواتي أخيرا وحصلت على مكافأتي المميزة، إنها فريدة من نوعها. لن أبيعها أبدا !!

هاجس: من أتى بها إلى هنا ؟

الدفان : لا يهم، غسلوا عارهم أخيرا، المؤكد أنهم سيرتاحون لأن الحق أخيرا قد أنتصر .

هاجس: الحق ؟! أنتصر ؟ ( يضحك ) 

الدفان : كف عن المواعظ، إنها آثمة كبقيتهن !

هاجس : ومن أنت لكي تحدد؟

الدفان : هذا واضح لمَ قتلت إذن؟ !

هاجس : وحوش بشرية، أكاد أصدق أنك بريء إن بقيت تتكلم بهذه الوتيرة.

الدفان : وماذا فعلت أنا ؟

هاجس : لا لا لم تفعل شيئا، إنك فقط تغتصب أجساد الموتى وتغتصب حرمتها !!لا لا . لم تفعل شيئا ، إنك نقي بريء، حمل وديع

الدفان: (بغضب) هل تستهزئ بي ؟

هاجس : لمَ تشعر بالغضب إن كنت على حق ؟

الدفان : أحمق ، أحمق ، إنها فرصة ذهبية لا تأتي إلا مرة واحدة .

هاجس : ستندم على ذلك، ستثور أرواحهنّ يوما

الدفان: (بسخرية) وهل يعود الموتى ؟ (يسود الصمت) (ينظر يمينا وشمالا) أين رحلت، عد إليّ ، عليك أن تكلمني، لم تقل لي ماذا نفعل الليلة؟! نسيت أن أخبرك، إنها حسناء للغاية (مستفهما) لمَ لا تجيبني، إننا شخص واحد أليس كذلك، وأيضا لقد.. لقد نسيت أخبرك إنها جميلة للغاية، أما ذاك الرداء الأبيض فقد زادها بهاء (يسود الصمت مرة أخرى)

صوت من أحد القبور: (بغضب) لن أعفو عنك

الدفان: هل سمعت شيئا يا مجرفتي (ينصت برهة) لا أعتقد هذا، وهل يستطيع الموتى الكلام (يضحك) إنها فقط أجساد دفنت، وتحولت الآن إلى رماد، من أين لها أن تتكلم، ومن  يحق لها الكلام !إنه عالمي أنا ؟!

صوت من أحدٍ القبور: ستعاقبون جميعا، نعم أنت ستعاقب،  ستسحق، ستعاقبون جميعكم .

(يضرب الأرض بمجرفته ويلتفت يمينا وشمالا ) 

الدفان: هل هناك من تجرأ وتكلم مع سيد القبور؟! (يضرب بغضب) من سيعاقب ها؟ هل هناك أحد يحاول معاقبتي؟ (يتحدث كالمجنون)  يسعدني ذلك، يسعدني أن أعاقب على أيديكنّ الجميلة، يسعدني أن ألمس تلك الأيادي مجددا وأن أتجرع عبيرها المنبعث نعم، نعم (بهستيرية) يعجبني أن أداعب تلك الخصلات التي تنسدل على أكتافكنّ، أنكنّ ملعونات، لم يطفيء بريقكن القتل، أنا أكثرهم حظا إن كنت سأعاقب على أيديكن الميتة

صوت من أحد القبور: ستلاحقك أرواحنا ، لن تستطيع النوم بعد الآن

صوت من أحد القبور : سأكسر أضلعك كما فعلت

الدفان: (بخوف يحاول أن يتجاهل ما يسمعه) يبدو أنني بدأت أهذي، لم تحن الحفلة بعد أيها الغبي عليك أن تبقى مستيقظا، لديك عذراء  جديدة ل …(يضحك بخبث) طازجة تنتظر أن يطهرها دفاؤها، نعم, نعم إنها تنتظرني، يجب أن أطهرها بلمساتي وهمساتي (يتكلم بخبث)

هاجس : لـ ماذا ايها الغبي!؟ تطهرها من ماذا !طهر نفسك اولا، دعها ترقد بسلام تبا لكم, لم تنته منكم حتى بعد أن قتلت، تلاحقونها حتى وهي جثة بكفنها، أين تفر منكم أين ؟ اللعنة عليك

الدفان : عدت مرة أخرى ، أذهب من هنا إنك ساذج

هاجس: أنت ترتكب حماقة أخرى ، ستطاردك تلك الأرواح

الدفان : يا أبله إنها أجساد ، ليست أرواح

هاجس : حتى الأجساد ستقوم بقتلك لانتهاك حرمتها

الدفان : أية حرمة يا هاجسي الغبي، إنهن آثمات، ملعونات ،

هاجس: (بحسرة وصوت منخفض) مظلومات ، بريئات

الدفان: (بهستيرية) لالا ، لا تستحق أن تكون أنا، هذا مستحيل كيف لجبان مثلك أن يكون أنا،لا مستحيل

هاجس: (بغضب) ألعنك , ألعنك ألف مرة

الدفان : أنك يا نفسي لأمارة بالسوء (يقترب الرجل وهو يجر مجرفته إلى ذلك التابوت الذي يقع وراءه ينظر إليه مطولا، يضربه بمجرفته  يبتسم كالأحمق قائلا ) ماذا لدينا اليوم هنا؟ كم هو عمرك يا ترى، يبدو أن القدر اليوم سيكافئني بك هل أنت جميلة جدا، ناعمة، شعرك أسود، خصرك نحيل, طويلة أم قصيرة يا ترى؟ اليوم سأدفن ضحية أخرى، أقصد آثمة أخرى، لستن ضحايا أنا الضحية وأنا اقبع بينكن، ولا أرى سوى الجثث المتعفنة، نعم نعم آثمة، أنتن آثمات، ملعونات

هاجس  : أنت الآثم الوحيد هنا

الدفان : أنا الطاهر الوحيد هنا

هاجس : أنت القذر الوحيد هنا

الدفان: (بغضب) أخرس، أخرس، أخرس عليك أن تخرج من رأسي الآن، وإلا ضربتك بمجرفتي…(يضحك) يا إلهي أنني أتحدث مع نفسي مرة أخرى

((أطفئت الأنوار ،  ضوء خافت يحيط بذلك التابوت ))

الفتاة : إياك

الدفان: (يسقط على ركبتيه مرتجفا ) من ، من !

الفتاة : إياك ، إياك أن تقترب

الدفان : من، من أنت ؟

الفتاة : أنا ! ألا تعلم من أنا !

الدفان : وكيف لي أن أعلم ؟

الفتاة : أنا تلك القبور التي أمامك جميعها

الدفان: (بارتباك) ماذا، ماذا تقصدين !

الفتاة : إياك، إياك أن تقترب، أنت آثم ، ظالم ، قذر

الدفان : أنت الأثمة، جميعكن آثمات، إن لم تكوني هكذا لم أنت ممددة هنا في هذا التابوت؟

هاجس : ستقتص منك، ستقتلك، إنها الموت

الدفان : إنني أهذي، نعم. نعم ليس هنالك وجود للأشباح، إنني أهذي مجددا .

هاجس : سيخرجن من قبورهن، سيحكمن عليك

الدفان : ومالي أنا ومالهن ؟! هل كنت أنا قاتلهن؟! كلام فارغ

هاجس : أنت الدفان، أنت الدفان القذر، لم يكفك دفنهن، كنت أبشع من ذلك

الدفان: (بخوف وبصوت منخفض) ماذا، ماذا فعلت أنا ؟

هاجس : لم تفعل شيئا ؟

يقف الدفان على قدميه قائلا : (بخبث) لا مشكلة بأن اقتصّ منهن بطريقتي حتى أشفي غليل ….

هاجس : غليل من ؟

الدفان : دعني أقم بعملي هنا (يفتح التابوت وينظر بداخله ويبتسم بخبث) مازالت صغيرة، هذا جميل، فتاة أخرى، تستحق العقاب هذه الليلة

صوت من أحد القبور : دعها وشأنها

الدفان : جميلة، جميلة, هذا ممتع, هل أمتلكها لوحدي أم أتشاركها مع أحد

تصرخ القبور : دعها وشأنها أيها الجرذ

الدفان : ماذا سأفعل بها أولا ؟هل أقبل عنقها أم أشم شعرها الجميل، هل أمسك يدها الناعمة الرقيقة، يبدو أنها لم تمسك شيئا خشنا في حياتها، أنها لوحة, أجل إنها لوحة فنية قد رسمت ووضعت لي كهدية في بطن هذا التابوت

أحد القبور : سيأتي يومك , سيأتي يومك

الدفان : من ذا الذي يتحدث ؟

أحد القبور: (بغضب) دع تلك الفتاة وشأنها

الدفان : الهذيان، الهذيان يبدو أنني كبرت، أو أن الغشّ تسرّب حتى إلى الخمرة، إنها نهاية العالم

أحد القبور :  دعها يا قذر دعها

(يكشف الجثة الممددة أمامه يرمي بالكفن عنها )

الدفان : لا عائلة لكي تحميك، ولا صديق لكي يرثيك الآن، صغيرة، جميلة، عذراء، شعرها مجعد جميل، تشبه الملائكة بهذا الرداء الأبيض يشبه فستان العرس أليس كذلك يا جميلتي , لا فرق سوى أنك في التابوت.. نعم نعم, لقد زففت إلي بدل أن تزفي لحبيبك ربما، سيوارى هذا الجمال خلف التراب بعد قليل، ولكن أولا دعيني أتزود حبا من تلك اليد الناعمة، دعيني أفكر قليلا.. هل أعاقبك أنا أم أتركك لغيري؟ هل تستحقينني  (يمسك بيدها، يشم تلك اليد) يا إلهي، خائنات لكنهن يمتلكن عبير الكون بأجمعه

(تعود الإضاءة  الفتاة تقف بكفنها ، تسحب يدها من يده )

الفتاة : إياك أن تلمس يدي

الدفان: (يرتجف في مكانه) من أنت؟ كيف خرجت؟ ما زلت حية، لم يغسلوا عارهم بعد

الفتاة : أنتم العار الذي تتحدثون عنه

الدفان: (بخوف ويرتجف) أنتن، أنتن، لايوجد مكان، للأبرياء هنا في هذه القبور.

الفتاة : لا يوجد هنا في القبور سوى الشرفاء , سوى المستضعفين،لا يوجد هنا سوى قوارير لم تحسنوا إليها بلؤمكم يا بني البشر، لا يوجد هنا سوى زجاجات عطر أرادت أن تنثر عبيرها في الدنيا، لا يوجد هنا سوى ملائكة ولدن للمعاناة والضيم، هنا تسكن أجساد قتلت بغير حق, أجساد أنتم دنستموها بقباحتكم

الدفان: (يسخر) لم أر يوما مذنبا يدعو نفسه بالبطل، ربما تقصدين خونة مثلا

الفتاة: أخرس أيها الاحمق لا يوجد خائن هنا سواك، أجسادنا كانت أمانة ولكنك لا تؤتمن، كأولئك الذين اقتصوا من أرواحنا بلا سبب سوى أنهم كانوا يشعرون بالضجر أو ربما أردوا أن يثبتوا تلك الرجولة التي يدعونها  بقتلنا

الدفان: (يضحك) لدينا جثة جريئة تستطيع الدفاع عن نفسها هه ! بات هذا ممتعا حقا

أحد القبور: (يصرخ) ظلم، ظلم، لم نفعل شيئا، كنت العب بدميتي فقط لكنهم قتلوني ظنا منهم بأنني عار

قبر آخر  : بريئة، أقسم أنني بريئة, هذه الأرض تشهد على براءتي

أحد القبور : ذهبت فقط لأشتري حلوتي المفضلة، لكنهم ذبحوا طفولتي

صوت آخر : فتكوا بي لأنني قلت ( لا )

الفتاة : أما أنا فقد أتهمت زورا ، وكشرت أنياب القوم فرحا , أرادوا إثبات شجاعتهم  بذبحي.

الدفان: (بخوف) أنهم شرفاء ، أنتن هتكتن الشرف، الموت هو الجزاء الوحيد لافعالكن .

الفتاة : ستندم على فعلتك ,سنقتص منكم

الدفان : من هذا الذي سيقتص منا نحن الشرفاء؟

أحد القبور : تبا لكم ولشرفكم المصطنع

( ظلام حالك، تعود الفتاة إلى التابوت ، تصمت الأصوات ويحل السكون في الأرجاء).

الدفان : ما هذه الاصوات التي بت أسمعها في مقبرتي, أنا أتخيل صحيح ! نعم نعم أنا اتخيل لا وجود لتلك الأصوات، لا وجود لتلك الأصوات، تلك الأرواح سكنت الجحيم إلى الأزل، لا يسأل عنكن أحد ولن يزوركن أحد، أنتن بلا هوية, آثمات, عار على الخليقة، لا أريد هذه الجثة الحمقاء, لقد دمرت مزاجي، ولكن يبدو أن هنالك فكرة أفضل (يضحك بخبث)، الآن قد قررت عقابكن القادم، لن أقتص أنا منكن بعد اليوم , سيقتص منكن غيري ستكون الخاتمة أجمل هكذا, فأنا مشغول بدفنكن فتحت لي الدنيا أفاقا جديدة, أنها فكرة مجنونة, فكرة لا يفكر بها إلا ذكي, مثلي تماما (يتباهى بنفسه)

(يدخل أحدهم ملثم )

الملثم : أخبرتني إن هنالك جسدا جميلا لديك هذه الليلة؟

الدفان : نعم, نعم أيها الشاب, إنها جميلة للغاية, وجسدها ناعم رقيق, قتلوها قبل بضع ساعات، وسلموا لي جثتها لكي أدفنها

الملثم : ولمَ قتلت ؟

الدفان : ألا تعرف ما هذه المقبرة ؟

الملثم : لا

الدفان : إنها مقبرة الحرام

الملثم : لم أسمع بها سابقا

الدفان : أنها مملكتي, أنا الذي أحكم هنا, أنا دفانهن، وآخر من يرى أجسادهن الآثمة

الملثم : هل أستطيع رؤيتها ؟

الدفان : نعم نعم , إنها في التابوت وراءك

( الملثم يتحرك ناحية التابوت ينظر إلى الجثة ويتفحصها بعينيه القذرة)

الملثم : بكم الليلة ؟

الدفان : نصف ساعة ب200 الف

الملثم : هذا كثير , كثير جدا

الدفان : إنها جميلة وأيضا عذراء

الملثم : بهذا السعر أستطيع الذهاب إلى واحدة على قيد الحياة

الدفان : أذهب وأبحث عن عاهرة أخرى

الملثم : وإن كانت عذراء لم قتلت ؟

الدفان : لا يهم السبب الحقيقي وراء ذلك, المهم أنها تستحق هذا

الملثم : وكيف لهذا الجمال أن يوارى تحت التراب هكذا بسهولة

الدفان : لا يغرك منظرها البريء ، إنها شيطان, والآن ،أنجز أيها الشاب قبل أن تتعفن الجثة الحمقاء لا أريد إضاعة الوقت، هناك الكثير ممن ينتظر

الملثم : أتفقنا

( يخرج الدفان ويقترب الملثم يحاول وضع يديه على الضحية )

الفتاة: (بغضب) أبعد يدك القذرة عني .

(الملثم يتراجع إلى الوراء بخوف وارتباك)

الملثم : من أنت, من أنت, أ ما زلت على قيد الحياة ؟ أخبرني بأنك قتلت !

الفتاة : كيف تتجرأ على وضع يدك العفنة على جثتي الهامدة, من سمح لك بفعل هذا

الملثم: (يبرر بخوف) لقد أعطيت ذلك الدفان الكثير من أجلك, وأيضا ستتعفن جثتك بعد ساعات.

الفتاة : هل تعي أنك في مقبرة؟

الملثم : نعم أعلم ذلك, لكنك جميلة , وعذراء , وأيضا لهذا المكان سحره , أنا مفتون بك الآن

الفتاة : أنتم مرضى , نعم أقسم أنكم مرضى

الملثم: (يضحك ويسخر من نفسه)هل أكلم نفسي؟ ما هذا الهراء الذي أقوم به, هل بدأت أهذي بسبب رائحة الكافور التي شممته بها؟ ربما..

( الفتاة تقف على قدميها بكفنها الأبيض , يقع الملثم من خوفه و ارتباكه)

الملثم: (يشير بسبابته) أنت , أنت على قيد الحياة حقا ؟

الفتاة : شبحي سيقتص منك أيها المريض

الملثم : ذلك الغبي لقد أوقعني في الفخ

الفتاة: (تتقدم نحوه) هيا إن كنت رجلا , تقدم وأرني ما لديك

الملثم : ابتعدي. ابتعدي عني, أنت ميتة, نعم نعم أنك ميتة, قتلوك قبل ساعات هذا ما أخبرني به ذاك الدفان

أحد القبور: (بأنين) ظلمة . ظلمة جميعكم ظلمة يا معشر الرجال

أحد القبور: (يتحدث بوجع) أنتم الآثمون, لم نفعل شيئا سوى أننا تنفسنا الحياة مثلكم

الفتاة : لم نفعل شيئا سوى أنّ من أنجبونا قد خذلونا

الملثم : أنكن , أنكن

الفتاة : أخرس أيها الأحمق أخرس إياك أن تتحدث, أنت أقذر منهم أيضا, تأتي إلى المقبرة لممارسة الرذيلة, هل لديك عقل أم حبة زيتون

الملثم : أنا , أنا لم أفعل شيئا , لم أفعل شيئا , لم أقتل أحدا

الفتاة : لم أنت هنا ؟

الملثم : لقد أخطأت بالقدوم لقد أخطأت

الفتاة : اخطأت إذن , دعنا نعلمك كيفية الاعتذار عن خطئك

(يسدل الظلام ستاره, يسود الصمت، الملثم ممد على الأرض مفارق الحياة، يدخل الدفان بحماس )

الدفان : أيها الشاب هل استمتعت؟ لا شك في أنك استمتعت كثيرا , لقد جربت شعورك آلاف المرات, لا شيء يضاهي هذا الشعور, تشعر وكأنك تملك الكون (يضحك) هنا تكمن فائدتهن.. أخبرني كيف هو الشعور يستحق ال 200 الف أليس كذلك؟ (يرى الدفان الرجل ممددا على الأرض بجانب التابوت، الدفان يقترب منه) أيها الفتى؟ قم هيا علي أن ابدأ مراسيم الدفن، لابد لي أن أدفن هذه الجثة القذرة قبل أن تخرج رائحتها النتنة، هيا أيها الشاب قم, أفق , عليك أن تفيق حالا وترحل حان وقت عملي , لدي الكثير لفعله، اتصلوا بي منذ دقائق و لدي ضحيتان أيضا، أيها الشاب, أيها الشاب هيا انهض، عليك الذهاب فورا, هنالك أب سيحضر ابنته المقتولة قريبا, وآخر قد قتل أخته، عليّ حفر قبرين آخرين هنا (لا يرد الشاب) أيها الشاب؟؟؟ تبا تبا تبا, هل فارق الحياة, يا للهول ماذا سأفعل؟ تبا لك, أنه ليس الوقت المناسب لأن تفارق الحياة هنا، أنه ليس المكان المناسب عليك أن تذهب اللعنة عليك (ينظر إلى التابوت) مازال في مكانه،

صوت من أحد القبور : (يضحك بصوت عال)

صوت آخر :  كركرات فرح

صوت آخر : هلاهل

الدفان : احتفال في مقبرتي ؟هذا الذي أسمعه، ماذا يجري !ما تلك الأصوات

هاجس : أخبرتك أن تلك الأجساد ستقتص منك, ستثور أرواحهن يوما

الدفان : أصمت أنت , ليس وقتك الآن

هاجس : أخبرتك أن تتوب

الدفان : عن ماذا أتوب أيها الأبله

هاجس : أنك ظالم بقدرهم وربما أكثر , وربما أكثر , إنك آثم مثلهم

الدفان : وما يعنيني أنا ؟ لا أعرف حتى أسماءهن, لا أعرف شيئا عنهن أو عن حياتهن السابقة فقط أنهن مجرمات إنتهكن الأعراف والتقاليد

هاجس : وبماذا أجرمن ؟

الدفان : لا أعلم. لا أعلم, ولا يهمني أن أعلم, حدثني بالكارثة الممددة على الارض, لقد فارق الحياة ذلك الأحمق، كما أنه لا يملك وجها جميلا، لكنت استفدت منه في بعض الأعمال !

هاجس : قامت تلك الجثة بقتله, لقد حاول الاقتراب منها ،فأردته قتيلا (يضحك )

الدفان: (بغضب) إنها ميتة, نعم إنها جثة هامدة ستتعفن بعد قليل أي قتل هذا !

هاجس: (يهزئ به ) ما من ميت هنا غيرك، وما من أحد سيعاقب إلاك.

الدفان : أخرس , أخرس

هاجس : لن ينجدك أحد

الدفان : أخرج من رأسي أخرس

هاجس : لن ينقذك أحد , ستموت نعم نعم ستموت.. ستعاقب . (يضحك بصوت عال)

الفتاة : أحببت رجلا في العشرين من عمره, لكنه غدر بي وقام أهلي بذبحي، ولكنه ما زال على قيد الحياة حتى أنه قد تزوج وأنجب طفلا

صوت من أحد القبور : نذل . نذل . خسيس

صوت آخر : أحببت رجلا فتزوجته ولكنه لم ير يومها برهان عفتي, فقتلني وأخبر الجميع بأنني آثمة، رأيت أبي يقبل رأس قاتلي، أما أمي فكانت تجلس في الزاوية ترتجف وجعا وتصرخ بصمت. أما أخي فقد بصق على جثتي وهي مترملة بدمائها .

صوت الفتاة: (بغضب) ظلمة ظلمة ظلمة ظلمة .

الدفان: (بارتباك) وما علاقتي أنا ؟ لم أفعل شيئا

الفتاة : أنت المسخ الآخر

الدفان : لم أفعل شيئا سيئا لأحداكن

الفتاة : قتلنا ظلما و لم نرتح في تربتنا التي نوارى تحتها , ثم نلتقي بك أيها المتعفن فتفعل أفعالك القذرة على أجسادنا الطاهرة، وتدعي بأننا قذرات

الدفان : ما كنتنّ يوما طاهرات

الفتاة : وهل أمك طاهرة ؟

الدفان : لا تذكري والدتي على لسانك القذر , لقد توفيت منذ سنوات

الفتاة : إنها امرأة أليس كذلك ؟ مثلي تماما

أحد الأصوات : لو كنت والدتك لدفنتك بيدي، لغسلت عارك و ما أنجبت، لقطعتك أربا ورميتك للكلاب السائبة، أنكم وحوش لستم ببشر

الدفان : أنت عاهرة , جميعكن تحت رحمتي

الفتاة : ليس هنالك عاهرة بيننا سواك أيها الدفان الغبي

الدفان : اخرسي اخرسي, أنت ميتة لا تستطيعين الكلام, أنا أتخيل, أنا اتخيل فحسب, يكفي هراء علي أن أستعد جيدا ستأتي جثتان الآن, علي أن أواري هذا الأحمق الذي فارق الحياة

الفتاة : لست تهذي أنا أكلمك, وهذا الأحمق نحن من قمنا بقتله، وقد حان دورك الآن

الدفان : كفى هراء , أبتعد أيها الوسواس عني

الفتاة: ستموت اليوم

الدفان : هل سأقتل على يد فاسقة هذا هراء هه !

الفتاة : ليس هنالك بيننا فاسق سواك أيها الدفان

الدفان : أبتعدي عني أيتها الجثة

صوت من أحد القبور : أشنقيه كما شنقت

صوت آخر : اذبحيه كما ذبحوني

صوت آخر : اضربيه بالحجر على رأسه كما فعلوا بي

صوت آخر :ارجميه بالحجارة كما أزهقوا روحي ظلما

صوت آخر : آثم , آثم

صوت آخر : اقتصي منه حتى يشفى غليلنا جميعنا

الفتاة : حانت نهايتك أيها المجرم القذر, سنلقاكم جميعا في الجحيم سيحكم بيننا العدل هناك ظلمة, ظلمة, ظلمة

الدفان : ابتعدوا عني, ابتعدوا عني، أخرسي أيتها الأصوات القذرة أخرسي دعيني وشأني، ابتعدوا, لست أنا، لم أفعل شيئا، ابتعدوا عني، لم أفعل شيئا أقسم أنني بريء

الفتاة : اخرس , اخرس , اخرس

هاجس: أخبرتك, أخبرتك، كان عليك الاستماع لي، كان عليك أن تترك تلك الاجساد ترتاح من ظلمكم، أخبرتك أن لا تقترب منهن، لم يكن آثمات, كنت أنت الآثم، كنتم أنتم القتلة الملعونين، لم يفعلن شيئا سوى أنهن أردن العيش مثلكم، أخبرتك أنك ستقتل بأبشع الصور، تلك الأرواح ستقتص من قاتليها

(تعم الضحكات في المكان، هلاهل من القبور ، الدفان ممدد إلى جانب الشاب الملثم مفارق الحياة قتله الوهم )

تلك الأرواح ستثور بغضب وتقلب الدنيا رأسا على عقب.. تلك الأرواح الصغيرة البريئة ستثور كما الضواري المفترسة وتقتص منكم جميعا أنتم الآثمون

( صمت ..يدخل دفان إلى المقبرة يجر بمجرفته ويمشي متفاخرا متباهيا بنفسه وينظر باشمئزاز)

دفان: ها قد وصلت إلى أرذل مكان في بقاع هذه الارض، المكان الملعون الذي لا يطأه إلا الملعونون, سخرية القدر أن أكون أنا هنا، أنا دفان شريف مع هؤلاء النسوة القذرات، المكان الذي لا أحبذ أن أكون فيه, تلك الجثث العفنة سأكون أنا أول من يواريها خلف التراب، تبا لهن , مقبرة نتنة , تضج بأراذل الخلق (يضرب بمجرفته الأرض صارخا بغضب ) أنا سيدكن الجديد ،سأغسل العار بالتراب، ستزهق أرواحكن مرة, اما أنا فأزهقها الف مرة، (ينظر إلى يديه ويضحك بصوت عال ويقول بخبث) لن ترتاح أرواحكن ما زلت على قيد الحياة …

صوت من أحد القبور : لن ينتهي هذا, لن ينتهي ،ظالم آخر , مغتصب آخر , آثم آخر , فاسق , جرذ وقذر

الدفان : (يضرب بمجرفته مرة أخرى ضاحكا) من الضحية التالية اليوم ؟

ستــــــــــــــــــــــــــــار

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت